قراءة في رواية نساء من فتات للكاتبة دعاء البيك / الناقد والشاعر عبدالرحيم جداية
“قدمت الدراسة في حفل توقيع رواية نساء من فتات الإثنين 15/10/2018م في مسرح عمون/عمان”
متى تبلغ الأنثى مبلغ النساء؟
يعتقد البعض أن الأنثى تبلغ مبلغ النساء بالبلوغ، تلك الحالة البيولوجية التي تطرأ على الأنثى، فتشعر بالخجل، والخوف من تلك المظاهر التي بدت عليها.
ولكن التكليف الذي يحمل الأنثى المسؤولية، والذي يرتبط بالعقل، والنضج، والوعي، فتبقى الفتاة قاصر تحت الوصاية، حتى تبلغ الثامنة عشر من العمر.
والتكليف هو الهم الثقل، والتي يكون الإنسان فيها قادرا على إتخاذ قراراته بنفسه ويتحمل مسؤوليتها وعواقبها، وقد جاء التكليف من:
الكلف وهو العشق، والذي يسبب حملا ثقيلا على النفس.
الكلف وهي الحبوب التي تظهر على الوجه، وتسبب للفتاة هما ثقيلا.
والأكلف هو الجمل الذي يقوم بالحمل الثقيل.
إن لفظ إمرأة هو إسم جنس لا يجمع، وكذلك لفظ نساء الذي ليس له مفرد، قال تعالى في سورة يوسف آية 30: “وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه” ويبدو أن نسوة تفيد التقليل، بينما نساء تفيد الشمول والعموم، ودليل ذلك سورة النساء في القرآن الكريم.
ويقابل لفظ النساء في اللغة لفظ الرجال، والتي مفردها رجل، لنبحث في السؤال: لما جاء الرجال اشتقاقيا والنساء اسم جنس؟
سنترك الإجابة مفتوحة على هذا السؤال، ونكمل درس الألفاظ ودلالتها، فالرجال مقابل للنساء، والرجال مقابل للذكورة، أما النساء فمقابل للأنوثة، والرجل يقابله إمرأة التي عرفها المعجم: “أن المرأة أو الإمرأة هي أنثى الإنسان البالغة”.
فما مفهوم المرأة في القرآن؟
قال تعالى عن إمرأة لوط عليه السلام في سورة الأعراف آية 38: “فأنجيناه وأهله إلا امراته كانت من الغابرين”.
وقال تعالى في سورة التحريم آية 11 في آسيا إمرأة فرعون: “وضرب الله مثلا للذين آمنوا إمرأة فرعون إذ قالت ربي ابن لي عندك بيتا في الجنة” .
وقال تعالى في سورة التحريم آية 1 : “يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغتي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم” .
لماذا ميز سبحانه وتعالي بين المرأة والزوجة؟
يقوم التميز بين المرأة، والزوجة في القرآن الكريم، على أساس التكافؤ في الدين، فلوط عليه السلام، بقيت امرأته على الكفر والشرك بالله، أما آسيا عليها السلام فقد ادعى فرعون الألوهية، فذكرت في القرآن بإمرأة فرعون لعدم التكافؤ في الدين.
كان ذلك السؤال مفتاح الرواية عند دعاء البيك، التي عنونت روايتها ب (نساء من فتات)، واسم الجنس نساء يشمل كل انثى من بني البشر، منذ الولادة، والطفولة، والفتوة، حيث سميت في تلك المرحلة (فتاة)، وصولا إلى الصبا فسميت (صبية)، فلما بلغت مبلغ النساء صارت الأنثى، في سن التكليف إمرأة وجمعها نساء، وهذا ما أكدت عليه الروائية دعاء البيك، عندما التقت الصديقتان هيام، وإيناس في المستشفى، فقالت لها: “من المدرسة وأنت تحبين أحاديث النساء”
ما هو حديث النساء؟
هذا المصطلح الذي أطلقته دعاء البيك، ليكون مفتاح روايتها نساء من فتات، فحديث النساء، ما يرتبط بالتكليف، والهم الثقيل، والمسؤولية التي يتحملنها النساء، من زواج وإنجاب،وما يتعلق بتهشم النساء، وانكسارات المرأة العاقر، أو التي تأخرت في الإنجاب مثل بديعة، هذا النموذج الرائع، الذي قدمتها دعاء البيك، لتقول للمجتمع أن النساء لا يلتفتن كثيرا إلى الوضع الإجتماعي، والمادي لأبي الجاج، فقد وجدت بديعة في عزت الملجأ والحضن الدافئ، ووجدت العذاب في عيني وملامح أم عزت، عندما عاشت سنواتها الخمس قبل الحمل، عندها قطعت دعاء البيك المشهد بحرفية، ناقلة العدسة إلى مشهد آخر، لا يعرف القارئ علاقته إلا لاحقا.
يستمر حديث النساء عند التقاء الصديقتين في المشفى، حيث مفاجأة لقاء أخصائية التغذية، بصديقتها المصابة في السرطان، حيث يتبادلن أحاديث الطفولة، والمرح، والنكات في المقعد الخلفي للصف بفرح الطفولة، والفتوة والصبا، حتى يأتي إنكسار جديد تدعم ركائزه دعاء البيك في روايتها (نساء من فتات)، عندما عرف زوج إيناس (أم محمد)، أنها مصابة بالسرطان، عندها قرأت إيناس تعابير غريبة على وجه زوجها، لكنها لم تدرك الهزيمة، إلا عندما هجرها زوجها دون كلمة وداع.
ومن أحاديث النساء حبهن الطاهر لأولادهن، وكان رد إيناس على سؤال هيام عن ابنها محمد قولها: “محمد قطعة من قلبي وأنيس عمري”، هذا ما تفكر به النساء، وما يتحدث به عن طهر العلاقة في العائلة، وليس ما جاء في فيلم “ماذا يردن النساء” الذي مثل بطولته ميل جبسون، حيث انصب الحديث عن الغرائز، والنزعة الحيوانة عند النساء، وهذا ما تدحظه دعاء البيك في روايتها، حيث يسمون النساء في روايتها لأهداف إنسانية، تحقق مشيئة الخالق للمخلوق على الأرض، وخلافته في إعمار الكون.
ومن أحاديث النساء لهجة الأمل الشاحب، الذي يستنزف من النساء طاقتهن، في العشرة الزوجية، غير المتكافئة في الحب والعطاء، ومن أحاديث النساء، ما جاءتنا به دعاء البيك على لسان ام محمد، بقولها لهيام بلغة بلاغية، وتعبير عال، ودلالات موحية عندما قالت: “أغلق الستائر واسدلي الواقع من خلفك، لا أريد أن اعصف ذهني بمزيد من الألم، أريد أن ارقد بسلام”.
دعاء البيك لم تكن قاسية في روايتها على صنف الرجال، بل قدمت مشاهد حياتية قاسية في حياة النساء، فقدمت عزت المحب لبديعة والحنون، وقدمت شخصية محمد ابن إيناس بظرفه وذكائه وخفه دمه، فالكاتبة لا تأخذ موقفا مضادا للرجال، بل تكشف تلك المواقف السلبية، في حياة بعض الرجال.
وقد أعلنت الكاتبة موقفها من المساواة، التي تطالب بها النساء عندما قالت: “إن هذه المطالب قد جاءتنا بمزيد من المسؤوليات”.
هذا الفكر المستنير الذي تقدمه دعاء في روايتها، هو فكر يقرأ الواقع، وينقده بمنطق الروائي المتزن، بعيدا عن التحيز للجنس، والتي تقرأ فيها إنكسارات بعض النساء، لنصل إلى عنوان الرواية (نساء من فتات) فيأتي السؤال: ما دلالة العنوان؟
يعيد العنوان النساء سيرتهن الأولى، عندما كنّ طينا طريا من صلصال، والذي تجمعت من فتاته النساء والرجال، ليكونا البشرية بكل تقلباتها، وحروبها، وصراعاتها، وقصص الحب عبر التاريخ، والاستبداد، والظلم الذي عالجه المفكرون، في شعرهم، ورواياتهم في رحلة تنويرية، تلقي النور على الظلام، فينجلي وتتضح الصور، والعلاقات الإنسانية السوية، وغير السوية، وهذا دور المبدع الحقيقي، الذي يقرأ تاريخ البشرية، ويحكي قصة الحضارة، كما حكاها أرنولد توينبي، أويحاور تلك الحضارات، كما حاورها روجيه جارودي، في موسوعته حوار الحضارات، وليس بما جاء به صمويل هنتغتون عندما كتب (صدام الحضارات(.
فرواية نساء من فتات، رواية مشهدية، فكرية، تنويرية، عندما ابتعدت عن التحيز لبنات جنسها النساء، فجاءت الرواية معقلنة، واعية، ناضجة في طرحها الموضوعي، جميلة الوصف والسرد، مبدعة في رسم الشخصيات، وبنائها في مجتمعات طبيعية نعرفها ونعيشها، ولم تأتي بالغرائبي غير المألوف، لتثبت وجهة نظرها، بل جاءت بعبقرية السهل الممتنع، الذي يظن البعض أنه قادر أن يأتي بمثله ولكن هيهات.
لقد قرأت الأدب النسائي في الرواية، لكاتبات أردنيات من جيل دعاء البيك، فكن الكاتبات محملات بالمشاعر، والأحاسيس، والكلمة الجميلة، التي بحثن الكاتبات من خلالها عن فرحة الزواج، وثوب الزفاف، والحصان الأبيض، والفارس الأمير، فكانت أحلاما واهية، أقرب للوهم منها إلى الحلم، لأن أولئك الكاتبات لم يملكن وجهة نظر متزنة، كما ملكتها دعاء البيك في روايتها.
نساء من فتات، ثورة على الأكاديمية المقننة في الجامعات، وعلى مقاعد الدرس، ثورة على التقليد، لتنتج دعاء نساءها من عينيها، وفكرها، وعلاقة النساء في المجتمع، وما ينتج عن ذلك من إرهاصات، ومواقف، وقصص رصدتها متدبرة التغير المجتمعي والتعبير عنه، وهذا هو دور الروائي الحقيقي، الذي يملك الموهبة، والرؤيا، ووجهة النظر، كما ملكتها دعاء البيك في روايتها نساء من فتات.