كيف تمكنت سامسونج من جعل حلولها الرائدة لتقنية الجيل الخامس واقعاً ملموساً؟
منذ أكثر من 35 عاماً وحتى الآن، تحافظ شركة سامسونج على ريادتها في عالم الأجهزة المتحركة، بداية من الهواتف الذكية وشرائح الهواتف المحمولة وصولاً إلى حلول الشبكات.
وقد ساهمت هذه الروح المتميزة في دفع سامسونج إلى أن تصبح أول شركة تقدم تجارب من الجيل الخامس تركز على المستهلكين، بما في ذلك هاتف Galaxy S10 5G، أول هاتف ذكي تجاري يدعم شبكات الجيل الخامس، والذي تم إطلاقه في كوريا الجنوبية في أبريل الماضي وتستعد الشركة لإطلاقه على مستوى عالمي.
لكن السؤال هو – ما الذي ستقدمه تقنية الجيل الخامس؟ لماذا تعتبر تقنية الجيل الخامس مهمة؟ كيف يرى المستهلكون الجيل الخامس اليوم؟ وما هي التحديات التي كان على سامسونج التغلب عليها لجعل الجيل الخامس واقعاً ملموساً تجارياً؟
وفي شركة سامسونج، كان كل من الدكتور وون جون تشوي، نائب أول للرئيس ورئيس فريق البحث والتطوير الرئيسي، والدكتور جون هي لي، نائب أول للرئيس ورئيس فريق استراتيجية التكنولوجيا، من الشخصيات التي ساهمت في قيادة رحلة تطوير الأجهزة والبرمجيات الجاهزة للجيل الخامس، وقد شاركا مؤخراً بعض القصص التي عاشوها في رحلة الشركة نحو تطوير وقيادة تكنولوجيا الجيل الخامس.
تخطي الحدود
من المتوقع أن تؤدي تقنية الجيل الخامس إلى إحداث ثورة في ما هو ممكن على شبكة البيانات، تماماً مثلما قدمت تقنية الجيل الرابع إمكانات غير مسبوقة عندما تم إطلاقها أول مرة، والتي ساعدت المستهلكين على الاستمتاع بخدمات الإنترنت لإنجاز الأعمال والترفيه واللعب أثناء التنقل. وبفضل السرعات العالية التي توفرها ووقت الاستجابة المنخفض لعرض النطاق الترددي، ستوفر تقنية الجيل الخامس مزايا أكثر لتجربة الهاتف المتحرك عند مقارنتها مع شبكات الجيل الرابع المتقدم LTE . وقال تشوي: “عندما يتم إطلاق خدمات الجيل الخامس بشكل فعلي، لن تقتصر إمكاناتها على تجارب الهواتف الذكية فحسب؛ وإنما ستساهم في تحويل مفهوم السيارة المتصلة ذاتية القيادة إلى واقع ملموس إلى جانب المصانع الذكية ومساعدة الروبوتات الذكية على دخول المجال الطبي”. وأضاف لي: “ولن تكون مؤتمرات الفيديو بعد الآن ثنائية الأبعاد ولكنها ستجري بتقنية الاتصال ثلاثي الأبعاد. إضافة إلى ذلك، لا يمكن لأحد أن يتخيل كيف سيكون شكل ومضمون بث محتوى الفيديو بتقنية 360 درجة على الهاتف الذكي الخاص بك مع بيانات الهاتف المحمول كما هو موجود الآن، ولكن مع تقنية الخامس، سيصبح كل ذلك واقعاً ملموساً. ولكن في الحقيقة لم يكن الوصول إلى هذه التطورات مهمة سهلة.
وبهدف إنشاء عرض النطاق الترددي لتقنية الجيل الخامس، كان لا بد من إعادة ضبط وإعداد كل جانب من جوانب منظومة البنية التحتية للشبكة، بداية من الهوائيات المستخدمة وصولاً إلى شرائح الأجهزة، وذلك لحساب نطاق التردد المنفصل عن نطاقات التردد الحالية. وأوضح لي: “لقد أولت سامسونج سوق تقنية الجلي الخامس أهمية كبيرة وانخرطت فيه بشكل مباشر بداية من البحث إلى تطوير التقنيات وصولاً إلى المساهمة في وضع المعايير الدولية. وقد كان إيماننا بأنه عندما يكون هناك مسار تحولي في القطاع، فمن المهم للغاية العمل على ريادة هذا التحول بغض النظر عن التحديات والصعوبات التي يمكن أن نواجهها، الأمر الذي دفع سامسونج لقيادة رحلة الجيل الخامس”.
ما متطلبات الوصول إلى عصر الجيل الخامس
كانت مهمة تطوير حلول شاملة هي الكلمة الفصل في رحلة سامسونج نحو تطوير شبكة جيل خامس عالمية، واتبعت الشركة منذ البداية نهج فريد لتطوير القدرات ليس فقط لإنشاء أجهزة تدعم تقنية الخامس الخامس، ولكن أيضاً لإقامة الشراكات الضرورية التي تساهم في تعزيز منظومة نشر التقنية بأكملها، بداية من موردي الشرائح وحلول البنية التحتية وصولاً إلى شركات الاتصالات وموفري المحتوى والخدمات. وأضاف تشوي “بدأ تطوير تقنية الجيل الخامس في معرفة ما هي التقنيات الأساسية لعصر الجيل الخامس وكيف يمكننا تأمينها – وقد أخذنا زمام المبادرة في وقت مبكر، من خلال التعاون مع العديد من الشركاء مثل موردي الشرائح وغيرهم، كل ذلك مكننا من القيام بدور قيادي في تطوير هذه التقنية”.
بدأت القدرات التي طورتها شركة سامسونج في هذه المراحل الاستكشافية منذ أكثر من عقد من الزمان مما أتاح للشركة البقاء في طليعة كل مرحلة جديدة من مراحل تطوير الجيل الخامس. وساهم النطاق الترددي الذي تعمل فيه تقنية الجيل الخامس – الموجات الملميترية والنطاق الترددي 6 جيجاهيرتز – في تطوير العديد من الابتكارات الخاصة بالأجهزة والبرمجيات، بما في ذلك شريحة مودم الجيل الخامس ورقاقة الترددات الراديوية للجيل الخامس ومكونات الواجهة الأمامية للترددات الراديوية ، وأجهزة استقبال الجيل الخامس. ونجحت سامسونج في عام 2013 في تطوير أول دليل على مفهوم تقنية الجيل الخامس، وبعد ذلك بعامين، فتحت المواصفات الأولى من نوعها لمرحلة ما قبل الجيل الخامس التي أطلقتها الشركة الباب أمام المزيد من الإمجازات المهمة الأخرى – بما في ذلك تطوير هاتف ذكي يدعم تقنية الجيل الخامس ويتوافق مع معايير مضروع شراكة الجيل الثالث 3GPP والمعايير الدولية ذات الصلة.
إن ما جعل سامسونج رائدة في مجال الجيل الخامس هو التزامها بالجمع بين جميع العناصر المطلوبة في عملية الابتكار بداية من البحث إلى التطوير، ليس فقط على مستوى الأجهزة المحمولة ولكن على مستوى الشبكة العالمية. وتابع تشوي “تمت الموافقة على المواصفات القياسية الأولى للبث الراديوي للجيل الخامس في نهاية عام 2017. ولعبت سامسونج دوراً محورياً رائداً في وضع المعيار الدولي للتقنية الجديدة”. كما ساهمت الشركة أيضاً في وضع المعايير العالمية للشبكة للانتقال من الجيل الثالث إلى تقنية LTE، ولم تكن هذه التجربة على مستوى البنية التحتية للشبكة فقط ولكن أيضاً على مستوى يواجه المستهلك، مما يعني أن الشركة كانت مستعدة وجاهزة لقيادة عصر الجيل الخامس.
ومن خلال إدراكها أن البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس العالمية يجب أن تدخل مرحلة التشغيل الكامل تدريجياً، تمكنت سامسونج من ضمان أن خدمتها الحالية تقلل من حالات انقطاع الشبكة عبر توفير فترة للانتقال بشكل سلس من شبكة LTE إلى شبكة الجيل الخامس من خلال توحيد ومصادقة الشبكة غير المستقلة (NSA). وأوضح تشوي “تستخدم خدمة الجيل الخامس الحالية شبكة LTE المستقرة لنقل المعلومات المهمة مثل تفاصيل التحكم وإشارات الإرسال، بما في ذلك عملية الانتقال من شبكة LTE إلى شبكة الجيل الخامس، بينما يتم استخدام شبكة الجيل الخامس لنقل البيانات”. وفيما يتعلق بـ Galaxy S10 5G، فقد تم تصميم الجهاز بمكوناته الداخلية وبرمجياته ليكون جاهزاً لاستخدام الشبكة غير المستقلة طوال عملية الانتقال من شبكة LTE إلى شبكة الجيل الخامس. إضافة إلى ذلك، هناك دائماً بعض المشكلات غير المسبوقة التي تنشأ خلال أي فترة انتقالية، لذلك فإننا نأخذ جميع ملاحظات المستهلكين على محمل الجد وبفضل التنسيق الوثيق مع جميع الشركاء المعنيين، نعمل على تحسين البنية التحتية وبالتالي ضمان الوصول إلى تجربة جيل خامس متكاملة”.
جهاز مصمم خصيصاً لعصر الجيل الخامس
بهدف ضمان أن يكون جهازها الأول الذي يدعم تقنية الجيل الخامس سهل الاستخدام ومميزاً من حيث الأداء والوظائف كما توقع المستهلكون من سلسلة Galaxy، طورت سامسونج ابتكاراً رئيسياً في مكونات الجهاز. وتابع تشوي “من المهم أن تحتوي هواتف الجيل الخامس على جميع المكونات الداعمة لشبكة LTE، ونتيجة لذلك فإن عملية إضافة مكونات خاصة بتقنية الجيل الخامس مثل شريحة المودم وشريحة الترددات الراديوية تعني بشكل طبيعي دمج مكونات إضافية. ولو كنا قد أضفنا هذه المكونات ببساطة إلى الجهاز، فسيصبح الهاتف ضخماً. بدلاً من ذلك، حرصنا على دراسة وتصميم كيف وأين ينبغي دمج هذه المكونات الإضافية للحفاظ على التصميم السلس لسلسلة Galaxy”. وحتى بعد تركيب المكونات الإضافية الضرورية، لا يزال Galaxy S10 5G يمتلك تصميماً نحيفاً ومتناسقاً.
لم تكن هذه العقبة الوحيدة التي تعين على سامسونج التغلب عليها عند تصميم هاتف Galaxy S10 5G؛ حيث أن شبكات الجيل الخامس تستهلك الكثير من طاقة البطارية نظراً للكم الكبير من البيانات التي يتعين عليها إرسالها. وأضاف تشوي “لقد تمكنا من تجاوز هذا التحدي من خلال دمج أحدث تقنيات حجرة البخار أو ما يعرف بـ vapor chamber التي تتميز بحل برمجي جديد قائم على الذكاء الاصطناعي يعمل تلقائياً على تحسين البطارية وأداء وحدة المعالجة المركزية وذاكرة الوصول العشوائي، وحتى درجة حرارة الجهاز استناداً إلى كيفية استخدام الناس لهواتفهم، حيث يتعلم هذا البرنامج الذكي من مستخدمه ويستمر بالتعلم مع مرور الوقت”.
إن المسألة الأكثر تحدياً التي عالجتها سامسونج في هاتف Galaxy S10 5G هي تطوير تقنية لدعم عرض النطاق الترددي للجيل الخامس، والتي تعمل على ترددات أعلى. وأضاف لي “لم يكن الطيف الترددي العالي مدعوماً على الأجهزة المحمولة من قبل. ومن منظورمكونات الأجهزة، فإن إيجاد حل لهذه المسألة احتاج سنوات طويلة من البحث لتخفيف الإشارات الضعيفة نتيجة للحواجز المادية أو العوائق في مسار الترددات، خاصة عند مواجهة الأجسام المعدنية”. ومن الناحية البرمجية، حرصت سامسونج على توفير تجربة استخدام سلسة للعملاء. وتابع لي: ” تستنتد حلولنا وابتكاراتنا إلى سنوات طويلة من الخبرة المتراكمة، حيث أتاحت لنا تفاعلاتنا طويلة الأمد مع المستهلكين اكتساب فهم كبير حول كيفية استخدام المستهلكين لهواتفهم وحملها، مما مكننا من تطوير برمجيات متطورة تضمن اتصال الجهاز بإشارة الجيل الخامس بشكل مستمر”.
مستقبل اتصالات الجيل الخامس
تساهم إنجازات سامسونج على صعيد الجيل الخامس ليس فقط في تحويل تجربة استخدام بيانات الهاتف المتحرك للمستهلكين، بل سيكون لها أيضاً تأثيراً كبيراً على مستقبل مفهوم الحياة المتصلة وستلعب دوراً كبيراً في تعزيز عملية تشغيل وتوصيل الأجهزة التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. وأكد لي: “يوفر عالم الجيل الخامس الكثير من الإمكانات فيما يتعلق بتطوير التقنيات المستقبلية، بما في ذلك المساعدة في الوصول إلى رؤية المصانع الذكية والمدن الذكية”.
وأضاف تشوي: ” كانت زيادة سرعة نقل البيانات هي التحسين الرئيسي الوحيد لتقنية الجيل الرابع، ولكنها الأمر مختلف مع الجيل الخامس. “تعتبر تكنولوجيا الجيل الخامس تقنية أساسية يمكنها توفير سوق النطاق العريض الجديدة، مما سيعود بفوائد متعددة على جميع القطاعات وليس الهاتف المتحرك وحده”.
ولا تقتصر فوائد الجيل الخامس على خدمات (النطاق العريض المتنقل المحسن eMBB) بفضل سرعات نقل البيانات التي تصل إلى 20 ضعفاً مقارنة بتقنيةLTE ، وتقلل ميزة (الاتصالات الموثوقة ذات الاستجابة المنخفضة) من الوقت الذي يستغرقه نقل البيانات من نقطة إلى أخرى، كما تمهد (الاتصالات المكثفة بين الآلات) الطريق نحو تحقيق رؤية للمصانع الذكية وتعزيز سلاسل التوريد. وأضاف تشوي ” من خلال قدرتها على نقل المعلومات مع وقت استجابة منخفض وأقصى درجة من الموثوقية، تعد تقنية الجيل الخامس مهمة للغاية بالنسبة لخصائص السلامة في السيارات الذكية واستقرار المصانع الذكية ودقة الروبوتات الذكية في المجال الطبي. إنها التكنولوجيا الأساسية لجعل هذه التقنيات المستقبلية ممكنة”.
وأضاف لي “مع الجيل الخامس، زاد النطاق الترددي المطلق للشبكة. لنأخذ على سبيل المثال السيارة المتصلة التي تحتاج إلى نقل البيانات إلى السائق بسرعة كبيرة. ففي حالة قيادة السيارة بسرعة 100 كم في الساعة، قد يؤدي التأخير بمقدار 0.1 ثانية في زمن الانتقال إلى اختلاف بمقدار 3 أمتار. وبالنسبة لمشاريع المدن الذكية، توفر تقنية الجيل الخامس ميزة أخرى مهمة بفضل قدرات الاتصال المتزايدة. ومن الناحية النظرية، يمكننا مع تقنية الجيل الخامس توصيل 10 أضعاف الأجهزة المتصلة بفضل تقنية LTE في الواقت ذاته. “
ومن هنا تعتبر تقنية الجيل الخامس ذات أهمية كبيرة بالنسبة لجميع القطاعات خارج نطاق الهاتف المتحرك. وفي الوقت الذي يشهده فيه العالم توجهات نحو نشر هذه التقنية، تعمل شركة سامسونج، على تطوير حلولها للبقاء في طليعة ثورة الجيل الخامس.