رسالة من عسكري إلى مثقف على جسر عبدون
يلومنا البعض لأننا عسكريين نشتري “الأفانتي” بالأقساط، ولأننا لا نتقن فن الحديث ورفع الصوت في الشوارع أو المجالس، كما قد يلومنا بعض المتنورين والمثقفين لأننا ننفذ ولا نناقش، ونقف ثابتين ولا نفاوض، وينسوا أن لنا عقيدة عنوانها الله الوطن المليك، وفي عقيدة الفداء تعلمنا أن الوطن أكبر من كل النقاش وأكبر من الأخذ والعطاء وتقاسم المنافع.
ويلومنا البعض لأننا اخترنا أن نفني أعمارنا في مهنة الجندية، وأننا لا نتقن غيرها كما نتقنها، حتى أن البعض قد لامنا في أحيان أخرى لأننا نتغزل بها في قصائدنا وأغانينا أكثر مما نتغزل بحب حبيبة سمراء أو شقراء، ولكن لا يعلمون أننا لو تحدثنا بما يجول في خواطرنا وضمائرنا لأنطقنا الشجر والحجر، وهيهات ان يعلموا أن في الحياة أكبر المدارس، وأن عيناً باتت تحرس في سبيل الله أعظم من كل الخطب والمواعظ.
يلومونا وينسوا أن لنا أبناء حلمهم ارتداء البدلة العسكرية، فهم يرون في شعارنا الدر، وفي لباسنا الدفء، وفي غيابنا الشوق، نتركهم وراءنا في فجر يوم الواجب لكي تنعموا يا معشر العلماء بالأمن والدفء، وتتأكدوا من وضع الغطاء ليلاً على اكتاف أبنائكم خوفاً من البرد، ونحن لأولادنا الله، ومن بعده الأمهات الصابرات المخلصات، هن أخوات الرجال وأمهاتهم، ومن أرحامهن سيأتي جنود الحق والعساكر.
أقول لكل اللائمين: لا تلومونا، واتركونا نموت ونحيا مع وطننا، ومعتقداتنا، واتركوا أحلام أطفالنا تحلق كطيور الحب فوق رؤوسنا، اتركونا مع كلمات أغانينا وقصائدنا التي تتغزل بحب الوطن وقائد الوطن، فوالله ما كنتم بمزحزحينا، وما كنا لنترك الوطن، فلقد عاهدناه عهدً أبدياً ورثناه عن أبائنا وصادقناه بحبر العرق والدم.
أما إن توقف صاحب حرفة أو وظيفة في يوم عن أداء عمله لتحقيق مطلب مشروع أو غير مشروع، فإننا لن نفعل، وإن ارتقى منا شهيد أو نزف من بيننا جريح في واجب، فإننا لن نتوقف أو نتراجع، وقولنا الفصل في ذلك أن خدمة الوطن لنا ليست مجرد لقمة عيش، بل هي قصة عشق، وتاريخ، ولنا كأردنيين فيها طريقة للحياة.