رائحة المطر وتشرين
يسرا ابوعنيز – رائحة المطر، ورائحة الأرض، تلك المتعطشة لحبات المطر منذ نهاية نيسان الماضي، لا تشبهها رائحة،لكونها عنوانا للخير، والعطاء، والتمسك بالأرض، خاصة تلك المهجورة من اصحابها، بعد أن تركوا بورا، مهاجرين نحو المدن، وتتغلغل بين ارواحنا الباحثة عن الخير في كل مكان، وبين الناس من حولنا.
ومع بداية شهر تشرين، جددت الأرض مطالبها لامطار الخير، بعد أن فعل فصلي الصيف، وبداية الخريف فعلته بالأرض، حيث كانت امطار الامس ملبية لطلبها، ولتنشر الفرح بين طبقاتها، ولتنتشر رائحة المطر في كل مكان.
اما عشاق المطر، فحكايتهم معه لا تنتهي، بداية من الرذاذ، وحتى تلك الأمطار الغزيرة، التي اصبح يخشاها الكثير منهم، بعد ما احدثته من خسائر فادحة خلال العام والموسم المطري الماضيين ، سواء بالممتلكات، او بالأرواح، حيث كانت اعداد الضحايا بالعشرات من الأطفال، والشباب، نتيجة لتقصير واضح من اكثر من جهة ذات علاقة.
عشاق المطر، لا يعرفون سوى رائحة المطر الجميلة، لارتباطه باذهانهم بكثير من الامور، مثل فنجان قهوة في الصباح، وقصيدة شعر، وشوارع المدن المتعطشة لحبات المطر، يغسل الشجر،والأرض من شوائبها، وقلوب البشر من احقادها،وتتفتح بعدها الكثير من الزهور الجميلة، ناشرة عبقها، وسحرها الجميل في كل مكان.
تعيد لاذهاننا الأرض،وهي الام، بحنانها الذي لا ينتهي، وعطفها على كبارها، وصغارها، تجمعهم حولها في يوم ماطر، باحثة لهم عن الأمان حينا وعن الدفء احياناً اخرى، تريد أن تضعها داخل عينيها، لتحميهم من كل شيء، خوفاً عليهم حتى من نسمات الهواء.
وبين المطر، ورائحتة، والتشارين (تشرين الاول والثاني)، علاقة لا يمكن تجاوزها، ولا حتى اغفالها، لانتظارنا للمطر، وخيره منذ نهاية ايلول من كل عام، وذلك على قاعدة المثل الشعبي القائل: ايلول ذنبه مبلول، كدليل واضح على نزول المطر في هذا الوقت من العام، فكيف لا تتساقط في التشارين؟ وهي التي تلي ايلول في التقويم الميلادي.
ولحبات المطر، ورائحتة، والتي تفتح شهيتنا لانتظار مواسمه في كل عام، كما هي حبات الزيتون التي تنتظره بلهفة، علاقة لا يمكن ان ننساها، وذلك لتعطشها للمطر، ليغسلها من الغبار الذي علق بها على مدار الأشهر الماضية، وليعيد لها الحياة من جديد.