اياد الرجوب يكتب :الشاي مشروب الناس المحترمين
اياد الرجوب : حينما يزورنا ضيف، فإن أول ما نقدمه له هو الشاي، فهو في ثقافتي الخاصة التي لم يثقفنيها أحد اسمه “مشروب الناس المحترمين”، وللشاي عندي حكاية خاصة.
في طفولتنا البائسة، كنا أحيانا لا نجد ما نأكل سوى الخبز والزيت، فكان الشاي مع هذين الصنفين من الطعام يشكل وجبة كاملة، قد تستمر لأيام.
وعلى عكس كثيرين ممن يملون من تكرار الأشياء، فقد كنت كلما أكثرتُ من الشاي أزداد رغبة فيه، كمن يغدو لا يعد الكؤوس بعد تعمّق مفعول الكأس الأولى.
وفي طفولتنا لم نكن نذهب لأحد من الجيران ويصنع لنا القهوة، فالضيافة المفضلة لدى جميع القرية كانت الشاي، أما كيف تطورت الأمور اليوم وصارت القهوة هي المشروب المفضل لدى كثيرين في قريتنا فلا أدري، لأنني ظللت متمسكا بالشاي، وصرت أصف كل شخص نشأ في طفولته على الشاي ثم تحوّل عنه إلى القهوة بأن لديه القابلية للانحراف لكنه بحاجة فقط لمن يوجهه.
في بعض الدول غير العربية كالمملكة المتحدة مثلا، هناك احتساء للشاي في كثير من أوقات السكان، أثناء الفطور، وخلال الاستراحات، وعند تزاور الأصدقاء، وعند الاستيقاظ، وعند الاسترخاء، ومن أكثر الصور النمطية المعروفة لـ”الشاي” هناك هي شاي الظهيرة، حيث يرتدي الناس ملابس رسمية ويلتقون في الفنادق أو المقاهي للاستمتاع بالشاي والكعك، وكل ذلك يتم تقديمه على الخزف الفاخر الجميل.. ولذلك خصصت المملكة المتحدة يوما للشاي وهو 21 نيسان.
وفي تركيا مثلا، معظم الشعب التركي يشرب الشاي حتى كان هناك استطلاع عام 2013م أظهر أن معدل شربهم الشاي يوميا هو عشرة أكواب!
وفي اليابان مثلا، هناك احتفالات خاصة بالشاي بشكلٍ رسمي ولطيف وتمتد لساعات.
في بيتنا، لدينا طقوس خاصة لحفلات الشاي، ولا نعبأ كثيرا بامتصاصه الحديد من الطعام أو عدم امتصاصه أو أي تأثيرات سلبية له على الجسم، فعدا عن قدسية وجود الشاي على مائدة الفطور، لا بد أن تكون له الصدارة في أي جلسة عائلية نهارا، أما بعد المغرب، فتبدا حفلات الشاي في ساحة البيت الامامية بين كل ساعة وأخرى، وهذه الحفلات تكون مصحوبة بـ”بزر عباد الشمس” الذي ما إن يوضع أمامي مع كأس الشاي حتى أذهب في عالم آخر.
وطبيعة الشاي الذي أرغبه وتفضله العائلة، هو الذي يكون “مثاقل بعضه” على رأي أمي في صغرنا، بمعنى ألا تكون فيه مادة طاغية على أخرى، فالسكر والشاي والمريمية كلها توضع على الماء بمقدار متوازٍ فيما بينها، فيكون اللون أحمر والطعم ثقيلا.
قلت المريمية، طبعا هذا الاسم الرسمي الصحيح لها، والشاي المفضل عندنا هو الشاي بالمريمية لا بغيرها، فلا نرغبه بالنعناع أو القرنية او الزحيف أو أي شيء آخر.
أما مادة الشاي نفسها، فنفضل شاي النمر “النفل” أو “الحلل” الخشن ولا نستخدم شاي البكيتات التي معظم ما يكون فيها هو شاي مطحون ناعم، ولا أحد يفكر مجرد تفكير في طرح اسم “ليبتون” أمامي.
هكذا هو شاينا الذي نحب ونرغب، فإذا ما زرناك يا صديقي ورغبت أن تكرمنا فأفضل ضيافة تقدمها لنا هي الشاي بالمريمية، وإذا ما زرتنا سوف نجبرك على شرب شاينا كما نرغبه نحن لا كما ترغبه انت، فالشاي هو لعبتنا المفضلة، ومطبخنا هو ملعبنا الفسيح.