طارق سامي خوري يكتب : حكومة نهضة أم نكسة؟
بمشروع موازنة غابت عنه العناوين الإصلاحية اللازمة للخروج من الركود الاقتصادي وتخفيف العبء المعيشي والضريبي عن المواطنين، خرجت علينا حكومة الرئيس عمر الرزّاز منذ أيام على لسان وزير المالية محمد العسعس.
ورغم أنّ تلك الموازنة جاءت هذه المرة بصفر ضرائب إلا أنّها تحمل في طيّاتها الكثير من الغموض وتطرح العديد من التساؤلات، خاصة أنّ الاقتصاد الأردني لا يزال يرزح تحت تداعيات الموازنة “الخرافية” لعام 2019. فبعد أن كانت تقديرات الحكومة في موازنتها للفرق بين النفقات الجارية والإيرادات المحلية بحوالى 2 مليون و713 ألف دينار، وجدنا أنفسنا فجأة أمام فرق يصل إلى 947 مليون و666 ألفاً أيّ 349 ضعفاً، وهذا ما أدّى إلى زيادة في المديونية فاقت المليار دينار، ما أوصلنا إلى كارثة حقيقية دفع ثمنها ولا يزال أبناء شعبنا في الأردن وجعل كلّ الأرقام التي تقرّها الحكومة في موازناتها اللاحقة موضع نقد وتشكيك من المواطنين والمحللين الاقتصاديين ومنّا نحن أيضاً كنواب.
إنّ الموازنة الجديدة لعام 2020، وإنْ تضمّنت حزمة من الإجراءات أبرزها الامتناع عن فرض ضرائب جديدة وتخفيض ضريبة المبيعات على عدد من السلع وزيادة المخصّصات المرصودة لصندوق المعونة الوطنية وزيادة الإنفاق الاستثماري والرأسمالي، إلا أنّها لم تقدّم أيّ جديد على صعيد معالجة التهرُّب الضريبي ورفع الضرائب على الأغنياء واستهلاكاتهم وإعادة إنعاش الطبقة الوسطى بعد أن تآكلت وتخفيض الضرائب على الدخل والمحروقات وتخفيض النفقات الحكومية وجذب الاستثمارات، ما جعلها موازنة أرقام صرفة تفتقد إلى الرؤية الاقتصادية الشاملة الإنقاذية والاستثنائية لمعالجة الوضع الاقتصادي المأزوم وحلّ المشكلات المعيشية التي أرهقت كاهل الأردنيين.
في نظرة عامة على تفاصيل الموازنة نجد أنّ قيمة العجز، قبل المنح الخارجية، وصلت إلى مليارين و54 مليون دينار، وإلى مليار و247 مليون دينار بعد المنح، فيما بلغ حجم النفقات المتوقع في الموازنة العامة عشرة مليارات تقريباً. ومن المتوقع، بحسب أرقام الموازنة الجديدة، أن يكون إجمالي الإيرادات 8 مليارات ونصف المليار دينار، ونسبة الرواتب من النفقات الجارية 65 في المئة، فيما بلغت فوائد الدين العام 15 في المئة والنفقات التشغيلية عشرة في المئة. وهذا ما يدفعنا إلى طرح الأسئلة التالية: هل أدركت الحكومة عقم سياساتها المالية والاقتصادية؟ هل الأرقام الموجودة في الموازنة منطقية وحقيقية ومستندة إلى دراسة كافية ووافية للواقع على الأرض، أم أنها أرقام مموّهة على غرار أرقام موازنة العام الماضي؟ في ظلّ هذا العجز في الموازنة، هل ستتمكّن الحكومة من الإيفاء بوعود تضمّنتها هذه الموازنة، خصوصاً على صعيد إعادة هيكلة الرواتب، أم أنها مجرد حقن تخديرية تمتصّ من خلالها نقمة الشعب الأردني وغضبه؟
يبقى السؤال الأهم: هل تعلّمت حكومتنا درساً من موازنة العام الماضي التي أقلّ ما يُقال فيها أنها “مُضلِّلة”؟
إنّ أسئلتنا وانتقاداتنا الموجّهة إلى الحكومة، لا تُعفينا نحن كنوّاب من مسؤولياتنا ووجوب حماية أبناء شعبنا في الأردن، كوننا ممثلين لهم في البرلمان، وفي رأيي وقبل الخوض في أرقام موازنة عام 2020 وتفاصيلها علينا، وبدعم من كلّ مواطن حرّ في الأردن، مساءلة هذه الحكومة حول موازنتها السابقة، لتحمُّل مسؤولياتها عمّا أوصلت البلاد إليه، وهي إذ أطلقت على نفسها اسم “حكومة النهضة” إلا أنّ أداءها المالي والاقتصادي أوصلنا إلى نكسة، وإنني أعلن وقبل وصول الموازنة إلى مجلس النواب عن رفضي لهذه الموازنة جملة وتفصيلاً ما لم تبرّر الحكومة أرقامها بشكل علمي مفصّل يقنعني وأستطيع تحمُّل مسؤوليته تجاه أبناء شعبنا الذين أمثلهم، وإلا فإنني سأصوّت بالرفض، لأنني لن أقبل بأن أكون شاهد زور على تلك المسرحية التي لن تجلب على شعبنا إلا الويل.
وانطلاقاً من كلّ ما سبق، فإنّ المطلوب هو أن يكون مشروع الموازنة مشروعاً اقتصادياً يحقق التنمية الحقيقية، بمعنى أن يكون مشروعاً عابراً للحكومات هدفه المواطن الأردني وتحقيق حياة كريمة له، وذلك بتخفيض الضرائب على حاجاته اليومية الأساسية ودعم القطاعات الإنتاجية في البلاد لأنّ ذلك سينتج عنه تقليل الحاجة إلى المنح والقروض وخلق فرص عمل وتحويل اقتصاد البلاد، تدريجياً، من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، وإلا فإنّ كلّ ما يُطرح من أرقام من هنا وهناك وتصريحات ومواقف استعراضية هو هباء منثور، فجميعنا في مركب مثقوب إنْ لم يتمّ إصلاحه سيغرق ويهلك كلّ من فيه.