الغرايبة : نتائج “تقصي” أحداث إضراب المعلمين تصدر قريبا
هدىل غبون
كشف رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الانسان، إرحيل الغرايبة، عن أن تقرير لجنة تقصي الحقائق في انتهاكات المعلمين بـ”مراحله الأخيرة”، وأن اللجنة حققت في انتهاكات تقدم بها أيضا مرتبات من جهاز الأمن العام، فيما بين أن المركز شكّل “خلية” لمتابعة تنفيذ توصياته السنوية، وكذلك التوصيات التي تكرر في تقاريره الدورية لحالة حقوق الإنسان في البلاد، بالتنسيق مع الحكومة والجهات ذات العلاقة.
ورأى الغرايبة، خلال لقاء مع أسرة “الغد”، أن تقرير المركز الخامس عشر، لا يعكس بالضرورة حالة تراجع عام في الحريات، بل حمل العديد من المؤشرات على ارتفاع منسوب الوعي لدى الأردنيين في التعبير عن الرأي، معتبرا أن حراك كل خميس والهتافات التي تحمل انتقادات مرتفعة السقوف أحيانا، هي بـ”المجمل مؤشر على تقدم الحريات”.
ونفى تعرض المركز لأي شكل من أشكال الضغوطات خلال عمل لجنة تقصي الحقائق في ملف المعلمين، ولا حتى “باتصال هاتفي”، فيما بين أن هناك طلبا حكوميا لبحث تنظيم مواقع التجمهر السلمي على ضوء الاحتجاجات التي شهدتها المملكة.
وبشأن تمنّع السلطات التنفيذية وحجبها للمعلومات أحيانا في قضايا الادعاء بالتعذيب وضروب سوء المعاملة لرفدها في تقرير المركز السنوي، قال الغرايبة إن هذه ما تزال تعتبر إحدى المعيقات في التوصل إلى الحقيقة في تقارير الرصد، خاصة فيما يتعلق بالتحقق من تطبيق عقوبات ملاحقة بحق المتسببين بالانتهاكات فعلا، والاطلاع على محاضر القضايا، مشيرا إلى أن هناك بعض التقدم في التعاون من مديرية الامن العام في هذا الصدد.
وحول احتمالات تعارض مضامين بعض الاتفاقيات الدولية مع مبادئه ذات المرجعية الاسلامية، قال الغرايبة إن الحكم هو المصلحة التي تتحقق من تلك الاتفاقيات.
وبوصفه أمين عام حزب المؤتمر الوطني “زمزم”، والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، قال الغرايبة إن الحكومة تتعامل بـ”فوقية” مع الاحزاب السياسية، وأنها منحت لنفسها “حق لا تملكه في عدم فتح النظام الانتخابي، وأن نظام التمويل الحزبي الجديد، قام على هرم مقلوب مغلوط”.
وفيما يلي نص الحوار:
* تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان الخامس عشر، شهد ردود فعل واسعة جدا من أوساط حقوقية ونشطاء، وبالرغم من أنه نتاج جهد مجلس الأمناء السابق إلا أنه امتداد لعمل المركز. والسؤال، ما الذي يمكن أن يفعله المركز اليوم للضغط باتجاه إنفاذ هذه التوصيات مع الجهات الرسمية مع وجود مجلس أمناء جديد تترأسه، حيث تكرر التوصيات سنويا دون ردود فعل حكومية؟
– من المهم الإشارة هنا، إلى أن هذا التقرير كان جهد عمل المجلس السابق والتقرير كان منجزا في شهر أيار (مايو) الماضي، بينما عيّن المجلس الجديد في آب (أغسطس) الماضي. ولكن نحن مؤسسة نعتقد ان كل فريق يأتي هو متمم للفريق الذي قبله، ونحن بصدد استقبال أي ملاحظة حول التقرير لينعكس ذلك على التقارير القادمة. الملاحظة بشأن التوصيات في مكانها، وهذه المرة طلبت من كل موظفي المركز جمع ملف خاص عن كل توصيات التقرير، والتي بلغت نحو 140 توصية تخص أطرافا متعددة. شكلنا خلية لمتابعة التوصيات بحيث لا تقتصر على إيرادها في التقارير، وسنعمل على ترتيب هذه التوصيات حسب الأولوية والأهمية والقدرة على التنفيذ ونتابعها أولا بأول بالتنسيق مع الحكومة والمختصين في مجلس النواب والسلطة القضائية ودوائر إنفاذ القانون. والتوصيات المتكررة سنقف عليها ونضع خطوط حمراء تحتها، ومن الجدير بالاشارة إليه أن بعض التوصيات هي توصيات عامة، كالمتعلقة بالفقر والبطالة لا يمكن ضبط كيفية التنفيذ لكن المؤشرات هنا للتنفيذ مهمة. أعد بأن تكون الوصيات محل اهتمام ومحل متابعة دائمة.
* هناك إشارات صريحة لتعّذر الحصول على المعلومات في التقرير الأخير من الجهات الرسمية حول حالات الادعاء بالتعذيب وسوء المعاملة، وكان من الواضح استياء المركز من التعتيم على المعلومات، فكيف ستعالجون هذه الاشكاليات كعائق أمام عملكم؟
– هناك بعض النقاط فيها صعوبات، وتحتاج إلى تدرج من الأجهزة الرسمية في كيفية التعامل مع هذا الملف الحساس. والإجراءات تستغرق وقتا، لا بد أولا من التعاون مع مديرية الأمن العام والاطراف المختصة وأعتقد أن هذا الملف شهد تقدما حيث أصبح المركز يطلع على حالات التوقيف والاحتجاز مباشرة دون وجود ضباط الأمن. هذه المسائل نحن بصدد الوصول إلى الاطلاع على الحقيقية المجردة. نحن في المركز لا نهدف إلى التشهير بل إلى الوصول إلى الحقيقة، لأن المواطن الأردني له كرامة وعلى رجال إنفاذ القانون احترام هذه الكرامة وهذا الحق. وهناك مثلا تدريب لكوادر الأمن العام لكيفية التعامل مع هذا الحق ليدرك المعايير الدولية والاتفاقيات التي نرتبط بها. وأعتقد أن هذا الملف يحتاج إلى تطوير وتحسين وهناك حالات كما ذكر المفوض العام، تعذيب وسوء معاملة لم نسميها ممنهجة، بمعنى أنه لا يوجد سياسات معتمدة لدى أي جهاز لكيفية تحصيل المعلومة من الموقوفين، وتقرير “هيومان رايتس ووتش” يتحدث عن حالة متكررة أو معتادة لسوء المعاملة وأنا أعتقد أن هذا موجود في ثقافتنا، عندما يأتي الموقوف يتم الاستخفاف بحقوقه الأخرى، ولذلك يتعرض للدفش والضرب. الآن نريد أن نصل إلى حماية حقوقه الإنسانية بعيدا عن طبيعة الجرم الذي ارتكبه. الضرب والتعذيب والإساءة منافية للمعايير الدولية.
* لكن إحصاءات شكاوى الادعاء بالتعذيب وإساءة المعاملة شهدت قفزة في التقرير، سواء الشكاوى الرسمية أو التي تلقاها المركز؟
– زيادة الأرقام لها عدة أوجه، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن معظم حالات سوء المعاملة والتعذيب مرتبطة بتعاطي المخدرات وجرائم التعاطي شهدت قفزة في السنوات الأخيرة وهذا ملاحظ منذ 2012.
الجانب الآخر متعلق بجرائم ما يسمى الارهاب، حيث نشأت منظمات وأسماء جديدة وحالات مختلفة عن سنوات سابقة، وبالتأكيد هناك زيادة ملحوظة بمن يتعاطون مع الارهاب، المخدرات والارهاب مرتبطتان بتطورات إقليمية، وهناك استثمارات بالارهاب وبالمخدرات وتجار الحروب .
نعمل على منظومة متكاملة تشريعية فيما يخص توحيد القضاء، بأن يصبح القضاء المدني سلطة واحدة تبسط سيادتها على كل المواطنين بغض النظر عن صفتهم المدنية والعسكرية وهذا يحتاج إلى وقت طويل، وهي ضمن توصيات المركز . أعتقد أنه يمكن تحقيقيه خلال سنوات قادمة ولابد من الاعتراف بذلك.
واتفاقية مناهضة التعذيب تحدثت عن نوعين من الجريمة، التعذيب واساءة المعاملة أو المعاملة المهينة والقاسية واللاإنسانية، في القانون الاردني تم تجريم التعذيب لكن إساءة المعاملة لم يتطرق لها التشريع الأردني، لأن وصف التجريم هنا غير موجود. واضح لدينا مشكلة قانونية. الحل أن نكمل النقص التشريعي الذي يعالج هذه المسائل ليصبح القضاء مستقلا. وإذا لاحظتم بالمقابل هناك حالات تضحيات سقط فيها شهداء في قضايا إرهاب واستخدم العنف في حالات مبررة أحيانا. أين هي حدود دفاع رجال الأمن عن أنفسهم ومتى تصبح تعسفا هذا محط جدال طويل ونحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى معاملة لا قاسية في التوقيف والاعتقالات.
إلى أين وصل عمل لجنة تقصي الحقائق في انتهاكات المعلمين؟ هناك اعتقاد بأن الملف طوي؟
– المركز تابع منذ اللحظات الأولى أزمة المعلمين، وتشكلت اللجنة وعندما تم نشر معلومات عن الانتهاكات وخلع الملابس شكلنا لجنة تقصي حقائق وأبلغنا الحكومة والجهات المختصة، ورئيس الحكومة عمر الرزاز وعد بتسهيل المهمة وتم عقد لقاءات مع زير الداخلية ووعدوا جميعهم بالتسهيل. اللجنة التقت المعلمين أكثر من مرة وكذلك ضباط الأمن العام المعنيون بالقضية، ووجدنا أن المسألة واسعة وعدد كبير من مرتبات الأمن العام لديهم ادعاءات وتقارير طبية ولا يمكن أن نهمل أي طرف لأننا جهة محايدة وهيئة مستقلة، فكان لزاما أن نحقق بكل الادعاءات التي وصلتنا للوصول إلى الحقيقية. اللجنة للآن لم يكتمل عملها تماما لكنها في المرحلة النهائية، نعمل الآن على ذلك إعلان النتائج قبل نهاية العام. التحقيق استغرق وقتا طويلا لم نتوقع ذلك، لأن هناك تنسيقا مع أطراف عديدة وترتيبا مع الشهود ونحن لسنا جهة تنفيذية لإحضار الشهود.
أنا لم أقف على أي حالة من حالات الضغط على المركز بشأن التقرير ولا حتى باتصال هاتفي، ولا أعتقد أن هناك ضغوطا بأي اتجاه.
* ليس لدينا ضابطة عدلية.. المسألة تتطلب تحققا من كل الاطراف وليس مجرد نشر معلومة. كان هناك تضييق على عمل المركز العام الجاري، من بينها عدم السماح لمواطنين محتجين الوصول إلى موقع المركز لتسليم مذكرات، وهذه فيها مصادرة لحق ثابت في التجمهر السلمي؟ ما تعليقكم؟ وماذا عن أثر التقرير لدى الجهات الرسمية التي لم تصدر أي ردود فعل؟
– زيادة أثر التقرير لابد أن تكون حصيلة تطور أنظمة الدول ككل ولن نصل إلى حالة حقوق إنسان مكتملة إلا عبر حاضنة ديمقراطية مكتملة، تصبح الحكومات البرلمانية وليدة كل أربع سنوات مع انتخابات عامة نزيهة تفرز حكومة معبرة عن إرادة الشعب وقادرة على التغيير وتصبح الحكومة بناء على فرز برامجي تنافسي، ومجلس نواب لديه قدرة أكبر على المحاسبة، عندها تصبح تقرير المركز الوطني وتقرير ديوان المحاسبة أهم الوثائق بيد السلطة التشريعية، وهي المرجعية الحقوقية لممارسة دوره.
يجب أن نصل إلى مرحلة أن تهتز كل أجهزة الدولة، وأن نحتفل بعدم وجود سجين سياسي واحد وألا يكون هناك موقوف واحد على قضية متعلقة بالرأي أو التعبير طالما أنه لم يستخدم العنف. هناك البعض في الأجهزة يحاولون التخويف من التجمعات السلمية، وكان هذا محور حديثنا مؤخرا، وسنعقد ورشة حول التجمعات السلمية للتأشير على الحدود الفاصلة ، لأن هناك اختلافات على أماكن التجمهر.
* لكن النقاش على هذا النوع من التفصيلات في حق التجمهر السلمي تعيدنا إلى المربع الاول وإلى ما قبل العام 2011 ؟
– الأمر كان وقتها مختلفا حيث كان يتطلب موافقة مسبقة، والآن يتطلب فقط إشعارا ، بحسب قانون الاجتماعات العامة، وفلسفته قائمة على تأمين الحماية الأمنية للمتجمهرين . الآن هناك بعض الجزئيات التنظيمية قد طرأت، مثلا الدوار الرابع يعتبرونه ( الحكومة) غير مناسب، ويرون بأن هناك حاجة لبديل عنه.
اختيار المكان بالنسبة للمتجمهرين له دلالة هذا مكان محل جدال مثلا. ولابد أن نصل إلى رأي قريبا، ولا أتكلم عن الاتفاق على المنع ولكن أن تسمح الحكومة بالتجمهر دون أي إغلاقات لأن الاغلاقات من الحكومة هي التي تعرقل. وبالنسبة للتجمهر عند المركز حصلت ملاسنة في هذا الموضوع بين المفوض العام ومحافظ العاصمة حينها، نحن لم نمنع أحدا. حجة أن هناك من يريد أن يحتل المركز ويعتصم فيه هذه قضايا نحن ننظمها بالتنسيق.
* هل يعني أن هناك طلبا من الحكومة لتحديد أماكن التجمهر؟
– الحكومة قدمت أطروحات وتساؤلات للمركز فيما إذا كانت تستطيع التدخل في تنظيم أماكن التجمهر . أو إذا كان لديها صلاحيات محددة هذا سؤال طرحته الحكومة، ولم نجب عليه بعد.
* لكن السلمية هي السمة الأساسية في التجمهر ؟
– هناك معايير سنقوم بالرد عليها. وهو جدل دائر حول الحدود الفاصلة لحق التجمهر السلمي. بالطبع هو مسموح والتسهيل له هي وظيفة للسلطة . لكن السؤال حول المتجمهرين إلى أي حد يحق لهم التأثير على أصحاب الحقوق الخاصة وإغلاق الشوارع. نحن لا نتحدث عن الحق العام هو مصان. لكن نتحدث عن بعض التفاصيل والتنظيم.
* لكن بالمجمل، هناك تراجع في التعامل مع التجمهر السلمي العام الماضي في تقريركم، والعام الجاري؟
– المركز يؤشر على مواضع الخلل ولم نقل أن هناك تراجعا في الحريات ولابد أن تقرأ النتائج من أكثر من جهة، زياة الحالات تتعلق بزيادة وعي الناس أحيانا وزيادة قدرة الناس على الخروج والاحتجاجات وزيادة عدد المظاهرات .
* لكن عدد التوقيفات كبير جدا ؟
– عدد التوقيفات ليس معيارا أيضا. التوقيف مرفوض ولابد أن ينحصر في القرار القضائي، ونحن مع تأييد أنا يكون التوقيف في حالات محدودة منضبطة يحددها القانون أما توسيع الصلاحيات المطلقة وتكرارها والكعب الدوار من مركز إلى مركز ليس صحيحا. مثلا يصدر قرار قضائي بالتكفيل والحاكم الاداري يعيد توقيفه.
* يمكن طرح السؤال بطريقة مختلفة، كيف تقيم حالة الحريات العامة في 2019 ؟
– أنا أرى أن حجم الوعي لدى الناس بحقوقها أصبح كبيرا، وارتفعت وتيرة المطالبات وهذه مؤشرات جيدة والبعض ينظر إليها بقلق، المعلمون استطاعوا أن ينجحوا في إضرابهم وأنجزوا. ولا أعتبر ذلك خللا بل نجاحا. كان لدينا دور غير معلن في إقناع الحكومة بعدم التصعيد واللجوء إلى الحل الذي يلبي رغبات المعلمين بالقدر المستطاع وأن يرفعوا مستوى الاهتمام بالمعلم، بدون كسر إرادة وبدون إهانة وحققنا ما هو جيد . وما قامت به الحكومة من استجابة للمطالب كانت نتيجة جلسات طويلة جدا امتد بعضها إلى ما بعد الفجر. أنا سهرت في بضع السهرات مع رئيس الوزراء عمر الرزاز مباشرة ونقيب المعلمين وكنا نصل إلى الساعة 8 صباحا أحيانا. الاستجابة بطريقة حضارية لمطالب المعلمين كان جزءا من الديمقراطية الحقيقية ولا أسميها خضوعا ولا انكسارا أمام إرادة المعلمين لأن الحكومة تعبر عن إرادة الشعب. ومن يخرج كل يوم خميس ومن يتظاهرون كل هذه مؤشرات جيدة، ومن يتحدث بسقوف عالية أنظر لها من منظور إيجابي بأن مستوى الحريات للأمام رغم بعض الحالات والتقييدات.
* هل تعتقد أن هناك حاجة لتعديل قانون المركز وتوسيع صلاحياته؟
– نحن جئنا على قانون معدل، وزمرة من التعديلات تمت دراستها. تعليمات المركز وضعناها أمام اللجنة القانونية في مجلس الأمناء لمعالجة أي خلل فيها. التشريعات لايمكن أن تكون جامدة، التشريعات كائن حي ومتطور ولابد أن تكون محل نظر دائم ، إذا رأينا حاجة ملحة ليس هناك ما يمنع.
* وماذا عن موازنة المركز ؟
– موازنتنا هزيلة رغم العمل الكبير، وهي ليست بحاجة إلى قانون لزيادتها وتقدّر سنويا بنحو 70 ألفا ولدينا نحو 40 موظفا. يصرف معظم الموازنة على النفقات الجارية . كنا نأمل بزيادتها وطلبنا من وزير المالية في الحكومة برفعها ولكن الرد جاء بأن الظروف لا تسمح . سنبحث عن وسائل تمويل للمركز ، ونتجه إلى طرح الوقفيات بحيث أن يصبح للمركز استثمارات وقفية. متل مركز كارنيغي الذي يعتمد على الوقفيات، وكذلك جامعة هارفارد مثلا لديها نظام الوقفيات وليس هناك جهة تدعمها. في السنوات القادمة سنعمل على ذلك، لعلنا نقنع الاثرياء أن يكون جزء من أموالهم وتبرعاتهم الوقفية للمركز بدلا من أن تكون فقط لبناء المساجد.
* توليك لموقع رئيس مجلس أمناء المركز، أثار مخاوف البعض وأثار تساؤلات حول مستقبل بعض الاتفاقيات والالتزامات الدولية، من بينها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” ومناقشة تقاريرها. كيف ستتعاملون مع أي تعارض لمواقفكم وخلفيتكم السياسية والاسلامية ؟
– يوجد مواصفات محددة لرئيس هذا المجلس وتعامله مع ملفات حقوق الانسان، ولا يمكن أيضا أن يكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة وألا يكون له نظرة تجاه الاحداث السياسية. لدينا حساسية أيضا من الأحزاب السياسية، والبعض يعتبر أن الانتماء الحزبي يشكل عائقا أمام استلام أي موقع أو مسؤولية. هناك نكتة سمعتها من رئيس وزراء سابق كيف أنني من حزب وأكون رئيسا لمجلس الأمناء. حتى جماعة الاخوان المسلمين أليسوا جزءا من هذ الشعب. ولذلك برأيي ربما أكون محقا ، وأنا أعبر عن الشريحة الاوسع والأكثر الشعب الاردني 99 % منه مسلمون. وعندما يقال إسلامي أرى أن فيها مخالفة للمنطق. أي جماعة أي حزب أي فئة جزء من هذا الشعب ويحاسب كفرد بما إنه لا يخالف القوانين، والحكم على الفرد في المفاضلة بين الاشخاص، من الممكن أن يكون من الإخوان وليس كفاءة أو من الإخوان وقد يكون كفاءة.
أما الاتفاقيات الدولية بما فيها سيداو، فلكل دولة حق التحفظ على أي بند يخالف هويتها وتراثها وعقائدها. هناك بنود كثيرة فيها جيدة لكن في بعض المسائل للدولة الحق في التحفظ عليها.
وأعتقد أن هذا ليس مخالفا للقائمين أنفسهم على الاتفاقية، فقد أباحوا لكل دولة التوقيع على أي بنود منها. ونحن أحيانا نكون ملكيين أكثر من الملك. هذا ليس مثلبة سنتعامل مع كل الاتفاقيات من منظور ثقافتنا ونحن لسنا مبتورين؛ لدينا تاريخ وهوية وتراث ولنا رأي ونعلم العالم في كثير من المسائل ، فنحن امتداد حضارة عمرها 1400 سنة ومستقرة في نفوس الشعوب وضمائرهم وليس تقليد الآخرين دائما هو الصواب. بالنهاية ما هو أكثر تحقيقا لمصلحة البلد واستقراره سنسعى لتحقيقه، وأي اتفاقية مفتوحة للنقاش .
* في الشق السياسي، وبصفتك سياسي وأمين عام حزب “زمزم” هل برأيك أن الشعب الأردني ليس جاهزا للديمقراطية بعد؟
– أي شعب جاهز للديمقراطية حسب رأيي الشخصي، وكل من يقول إن شعبنا ليس جاهزا للديمقراطية هو عدو الديمقراطية، بغض النظر عن مستواه السياسي ليس هناك من هو وصي على أي شعب. من هو هذا الوصي والاله والرب الذي يقرر أن هذا الشعب جاهز أم لا .
الشعب يفرز نفسه. نحن في 1956 كان لدينا حكومة برلمانية ولايمكن أن نكون حينها أفضل مما نمر به اليوم. نحن شعب متقدم وواعي ولديه قدرة على فرز الاصلح. ولا أحد وصي عليه هذه تشخيص واقع بحكم أنني سياسي.
* وماذا عن التجربة الحزبية وأنتم لديكم تجربة ، ألا تعتقد أنها لم تحقق اليوم أغراضها ؟ وما هي رؤيتك للعملية السياسية نحن مقبلون على انتخابات عامة والحكومة حسمت عدم فتحها لقانون الانتخاب أو النظام الانتخابي ؟
– نحن حتى الآن ليس لدينا تجربة حزبية في البلاد. لدينا أحزاب وليس لدينا حياة حزبية. وما نزال نناضل حزبيين وغير حزبيين لتصبح الأحزاب هي الاطر المعبرة عن الاتجاهات السياسية ، ويصبح التنافس قائما على الاتجاهات السياسية، وهذا يتطلب قار عام وشامل في الدولة للذهاب نحو هذه المرحلة وهو لم يتخذ بعد.
هناك أحزاب تنتظر اتخاذ مثل هذا القرار. ما يزال للآن الفرز يجري على أساس عشائري وجهوي، والعشائر قائمة على هذا المشهد وهذا يروق لكثير من الناس، خاصة النخبة وأنا أقصد من لهم أثر كبير في صناعة القرار، وهي نخب مزيج بين أصحاب المصالح وبتشابك مع السلطة من بنوك وشركات وفئات مصالح وغيرها. الذهاب إلى معادلة جديدة سيؤثر على معادلة النخبة لجهة فرز جديد يقوم على أساس المسؤولية وعلى أساس التأثير على اقتصاديات البلاد، وهذا عائق أمامهم والقرار لهؤلاء أكثر من غيرهم، فالشعب الآن خاضع لهذه المعادلة.
كادت هذه المعادلة أن تتغير في فترة من الفترات مثل المغرب في 2012 حين بادروا بتغيير الدستور ومنح الاكثرية البرلمانية حق تشكيل حكومة. هذا ما كنا نأمله أن يحدث بأن تجرى الانتخابات على أساس حزبي برامجي . وأن يدير الدولة فريق لديه رؤية في السياسة الخارجية والتنمية الداخلية والاقتصاد وليس من يريد أن يعين أقاربه.
من منح السلطة للحكومة ألا تذهب لمناقشة قانون الانتخاب، العرف السياسي بأن الحكومة هي فريق سياسي ولا يملك أن يغير أو لا يغير، بل أن يمثل رأي القوى السياسية معا. ومن الذي منح الحكومة الحق أن تقرر أن نظام تمويل الأحزاب الجديد هو الصحيح أم لا. والهيئة المستقلة للانتخاب الانتخابات وظيفتها أن تدير الانتخابات باستقلالية بعيدا عن الحكومة فقط، وألا تقول هذا يصلح وهذا لايصلح. كما أن الحكومة تعاملها مع الاحزاب هو فوقي وغير ديمقراطي، الحكومة لا تمول وتموّل وتقول الحزب الفلاني جيد والحزب الفلاني غير جيد، بل الأصل في الحكومة الحكومة أن تقوم على الفرز الحزبي، في الدول المتقدمة يخصص تمويل الاحزاب من موازنة الدولة ولا علاقة للحكومة به، لأن الحكومة هنا طرف وهي غير ثابتة. وأنا كنت ممن تقدم بمذكرة لأن تتولى هيئة مستقلة للأحزاب الاشراف عليها، بينما لدينا حكومة بيدها التمويل وبيدها الأحزاب، وهذا كله نتيجة لوضع خاطئ مغلوط مقلوب غير صحيح. ويجب أن يطوّر قانون الانتخاب بالتدريج فيه لصبح معبرا عن الارادة السياسية التي تختزلها ضمائر الشعب الاردني عبر الاطر الحزبية، إلا إذا كان هناك أطر أخرى فليكن .
* بمعنى هل سيكون هناك آثارا سلبية على الاحزاب على ضوء نظام التمويل الجديد؟
– النظام أيضا، هو فرز لوضع خاطئ مقلوب أيضا، الحكومة تتدخل في الاحزاب والأحزاب تسعى لإرضاء الحكومة. هذا وضع مزر سياسيا، ولايجوز أن نصل إلى هذه الحالة.