“صندوق النقد العربي يُصدر دراسة بعنوان: “مضاعفات الإنفاق الحكومي في ظل تقلبات أسعار النفط”
في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي على صعيد نشاط الدراسات والبحوث بهدف دعم متخذي القرار في البلدان العربية في مواضيع وقضايا السياسات الاقتصادية والمالية ذات الأولوية، أعد الصندوق دراسة حول “مضاعفات الإنفاق الحكومي في ظل تقلبات أسعار النفط“. هدفت الدراسة إلى تقييم تأثير الإنفاق الحكومي على الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية في ظل تقلبات أسعار النفط، مع التمييز بشكل خاص بين حالتين من مضاعفات الإنفاق في فترات زيادة أسعار النفط مقارنة بفترات انخفاضها.
يعتبر سعر النفط من أهم المتغيرات الاقتصادية المؤثرة على اقتصادات العالم عموماً والمنطقة العربية خصوصاً. بدأت أسعار النفط في الانخفاض في عام 2014، واستقرت منذ ذلك الحين، في مستوياتٍ معتدلة مقارنة بمستوياتها المرتفعة نسبياً المُسجلة في عام 2013. أدى هذا الوضع إلى تحديات على ميزانيات الاقتصادات العربية المُصدرة للنفط، التي شرعت في اتخاذ تدابير وإصلاحات مالية وضريبية كاستحداث ضريبة القيمة المضافة في بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واتجاه دول أخرى نحو تحرير أسعار المشتقات النفطية محلياً جزئياً أو كلياً، سواءٌ في البلدان المصدرة للنفط أو المستوردة له.
في أعقاب انخفاض أسعار النفط، ركزت أغلب الدراسات على إعادة النظر في السياسات المالية في البلدان المصدرة للنفط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص. ففي الوقت الذي يجب فيه على الدول المنتجة للنفط المتأثرة بانخفاض أسعار النفط أن تقوم بمجهودات كبيرة لضبط أوضاع المالية العامة لتصحيح اختلالات الميزانية العامة والحساب الجاري، أصبح تقييم ومراجعة المضاعفات المالية في ظل تحركات أسعار النفط أمراً هاماً. علاوةً على ذلك، طالما تأثرت الدول المستوردة للنفط من الارتفاع الحاد نسبياً لأسعار النفط. لذا، يعد تقييم مضاعفات الإنفاق لهذه الدول في ظل تقلبات أسعار النفط أمراً مهماً، يساعدها على الاختيار الأمثل فيما يتعلق بأدوات السياسة المالية التي ينبغي تفعيلها عند الضرورة، خاصة أن هذه الدول لديها أنظمة ضريبية متنوعة نسبياً يمكن استخدامها عندما تكون سياسة الإنفاق الخاصة بها غير فعالة. من هذا المنظور، وبما أن العديد من الدول العربية تعتمد اعتماداً كبيراً نسبياً على قطاع النفط كمنتج ومُصدر رئيس، أو كمستورد صافٍ بالكامل، فإن تقييم المضاعفات المالية، خاصة مضاعفات الإنفاق، أصبح أمراً بالغ الأهمية لتحديد اختيارات وأولويات السياسات المالية وفقاً لتغيرات أسعار النفط.
في هذا الإطار، قامت الدراسة بتقييم مضاعفات الإنفاق العام في الدول العربية خلال الفترة الممتدة بين عامي 1983 و2018، باستخدام نماذج الاتجاه الهيكلية الذاتية. خلصت الدراسة إلى أن مضاعفات الإنفاق في ظل انخفاض أسعار النفط تكون أعلى بكثير مقارنة بمثيلاتها في حالة زيادة أسعار النفط، حيث يمكن أن تبلغ قيماً أكبر من واحد للعديد من البلدان على المدى القصير، بينما تتجاوز قيمة اثنين على المدى الطويل. تتماشى هذه النتائج مع ما لوحظ في الأدبيات الحديثة حول المضاعفات المالية، خاصة في الاقتصادات المتقدمة، حيث تكون المضاعفات المالية كبيرة وقت الركود، بينما تكون ضعيفة أو حتى سلبية أوقات التوسع الاقتصادي.
بالنسبة للعديد من الدول المصدرة للنفط، يعتبر الانخفاض المستمر في أسعار النفط بمثابة مؤشر عن الركود الاقتصادي في هذه الدول. علاوة على ذلك، يلاحظ في المتوسط، أن مضاعفات الإنفاق في الدول المصدرة للنفط أعلى من تلك الموجودة في البلدان المستوردة له في وقت انخفاض أسعار النفط، بينما يلاحظ العكس في وقت زيادة الأسعار.
في ضوء هذه النتائج، أوصت الدراسة أن يأخذ تصميم السياسة المالية في الاعتبار اتجاه تحركات أسعار النفط، خاصةً في الدول المصدرة له، حيث يجب أن تكون السياسات المالية معاكسة لدورة أسعار النفط. ففي أوقات الركود الناتج عن انخفاض أسعار النفط مثلاً، يتعين زيادة مستويات الإنفاق العام كون الإنفاق الحكومي في هذه الفترة لا يؤدي إلى مزاحمة الإنفاق الخاص، عكس أوقات الرخاء، الناتج عن زيادة أسعار النفط بالنسبة لهذه البلدان، إذ من المحتمل أن تؤدي بعض النفقات الحكومية إلى مزاحمة الإنفاق الخاص، مما يؤدي إلى المساهمة في خفض مضاعفات الإنفاق الحكومي.