اخلاص القاضي تكتب: مشاعر مختلطة في عيد الأم بزمن فيروس كورونا
اخلاص القاضي- في عيد من كُرّست الجنة تحت اقدامهن، مشاعر مختلطة متضاربة تكاد تجتاح وجدان العالم بأسره، بين مشتاق لعناقهن وقبلاتهن، وبين خائف عليهن، في زمن ” فيروس كورونا” الذي لا يعترف بخصوصية الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام، فهذا شأننا لنميز أن حبنا للأم في يومها الخالد، يعني أن نلتزم بكل الارشادات والدعوات الحكومية والشعبية، والنصائح الطبية للوقاية والحماية من هذا الفيروس.
“سأقبل اقدامها، اذا تأكدت انني أحقق بذلك مسافة الأمان بيني وبينها”، هكذا تصف وفاء جمال، ناشطة بيئية، لوكالة الانباء الاردنية (بترا) شعورها في يوم الأم في زمن كورونا، وتضيف: واذا شاب ذلك ادنى شك فسأكتفي، بكتابة قطعة نثرية اهديها لها، او أبعثها بواسطة رسالة صوتية.
” هديتي منكم أن لا تغادروا المنازل، ولا تتجمعوا للاتفاق على ماذا ستهدوني”، كان ذلك قبس من رسالة أمّ لابنتها هيا عاشور، الدكتورة في كلية الاعلام في موسكو، والتي تقول بدورها: كنا نفاجىء والدتي بالاجتماع في بيتها، لدى عودتنا من السفر خصيصا لهذا اليوم، ولكني هذه السنة، سأشتم رائحتها عن بعد، وسأكتفي برسالة صوتية، محملة بكل اشواق العالم، وسأنتظر ما بعد كورونا ، فقد اشتقت لامي ووطني ولا ادري لأيهما اكثر”.
وترى رفاء والي، صيدلانية، أن يوم الام في هذا العام، سيكون مختلفا بشكل جذري، فوالدتي في محافظة أخرى، ولا أستطيع الذهاب اليها، بحكم حالات اغلاق الطرق، الذي اؤيده حفاظا على صحة وسلامة المواطنين، مشيرة الى أنها ستعوّضها بعد انتهاء “كورونا” بزيارة وعيدية وهدايا وعناق.
والتزاما بدعوات رسمية وشعبية عنونت بـ” خليك بالبيت” أو ” الزم بيتك” او ” لا تطلع من الدار”، أو ” خليك بالدار”، تحرص خولة العموش، ربة بيت، على المكوث ببيتها، فلا تريد ان تُعيّد والدتها مباشرة ولا تريد استقبال لأي من افراد عائلتها، حرصا عليها وعليهم، معلقة: “الايام اتية”.
ولم تخل آراء بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من روح الدعابة، فهذا باسل عطا، متقاعد، سيهدي والدته” معقمات وقفازات وكمامات”، حفاظا عليها، فيما يقول زيد عواقلة، موظف قطاع عام ” جت والله جابها، لا املك اي نقود لاي هدية”، مستدركا، لو اهدينا الام الدنيا بأسرها لقصرنا، ولكن في زمن “الكورونا”، الاحتفال عن بعد، افضل.
وتوافقت آراء جمع كبير من الامهات، مع ما ذهب اليه الابناء والبنات، اذ ان هديتهن لهذا العام هي “بقاء الجميع في منازلهم، والاكتفاء بوسائل الاتصال عن بعد والتي لم تعد تخفى على أحد”.
” بالكلمة الطيبة، بالرسائل الصوتية، بفيديوهات مصورة ومعدة مسبقا، باتصالات الصوت والصورة، بوعود بهدايا عينية ونقدية لاحقا، نستطيع الاحتفال لهذا العام بعيد الأم في زمن الكورونا”، تلك هي دعوة رئيس الجمعية الاردنية لاخصائيي علم النفس العيادي الدكتور محمد شقيرات، الذي يشدد على أهمية الوعي بخطورة انتشار فيروس كورونا، والالتزام بكل القواعد الصحية والارشادات الحكومية فيما يتعلق بالوقاية منه.
ويردف وهو الاختصاصي في علم النفس العصبي العيادي، أن من يريد الاحتفال هذه السنة بيوم الام، له ذلك، ولكن دون أي نوع من انواع التجمعات او الاختلاط او الملامسة او الاكتظاظ، حفاظا على صحة الجميع، والتزاما وطنيا واخلاقيا وضميريا مع كل الجهود القصوى التي تبذلها الدولة حماية للمواطن، وان كان ولابد للاسرة الواحدة ان تحتفل، فليكن الاحتفال، بوجود مسافات آمنة بين الفرد ونظيره، مع استخدام المعقمات والكمامات وغسيل الايدي جيدا بالماء والصابون كلما استدعت الحاجة لذلك.
وفي سياق مرتبط، يتساءل: لماذا لا نحول يوم الام ليوم مختلف بوضع هواتفنا الذكية جانبا، واعطائها الوقت النوعي والاهتمام الذي لا يحتاج لمال، او لشراء اي هدية في هذا الظرف، ويكون محور هذا اليوم، راحة للام، وسط اجواء هادئة، ربما تتخللها مفاجأة بالاتفاق على حضور فيلم قديم تحبه، او الاستماع لاغان قديمة تعنيها، او حتى الحديث المشترك عن شؤون وشجون الاسرة، ممازحا: ثم وعدها بهدية وفقا لما ترغب في مرحلة ما بعد “الكورونا” بحول الله.
وفي تحليله عن مدى تقبّل الام لغياب أو ربما لافول مظاهر الاحتفال لهذا العام بسبب تداعيات “كورونا”، يوضح شقيرات، أن لدماغ الانسان قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف المختلفة، فبعض الامهات مثلا، كن يقضين فيما مضى من أعياد للام بدون فلذات اكبادهن، ربما في ظل غيابهم خارج حدود الوطن بحكم الوظيفة او الزواج، او غير ذلك، وكن يتقبلن هذا الواقع، فما بالكم بواقع هذه الايام الاستثنائية.
بدوره يرى المتخصص في علم النفس التربوي في جامعة اليرموك الدكتور فيصل الربيع أن عيد الام وجد لتكثيف العناية بالامهات واظهار الحب والامتنان، ونحن في مجتمعنا الاردني تحديدا نقدم كل آيات العرفان لامهاتنا طيلة ايام السنة وليس حصرا بيوم بعينه.
ويؤكد ان هذه السنة الافضل الاكتفاء بمظاهر احتفالية عن بُعد، وبلا أي نوع من انواع الاختلاط، كي لا ننقل العدوى الى أعز الناس، حتى لو عدوى من فيروس “انفلونزا” عادية، وذلك من خلال اتباع وسائل الوقاية الضرورية ولنكتفي بهذا اليوم العزيز على قلوبنا بالتعبير عن فرحتنا بامهاتنا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف الذكية.