سامية مراشدة تكتب : أمي وصندوق الأسرار
أشتاق إلى ذلك البوح الذي كنت أهمسه في إذن أمي وأشتاق الى صندوق قلبها المليء بالأسرار ، أمي واليوم قد أحترت أين أضع أسراري وأي صندوق مثل صندوقك يتسع الأسرار وأي فتاة يا أمي لا تملك الأسرار ؟، أمي أشتاق الى عيونها حينما تغمضها حينما كانت تشد يدها على يدي لتطمئنني وأشتاق الى ضحكتها حينما تكشف خداعنا ، وأشتاق الى قسوتها حينما ترشدنا وأشتاق لأخطائنا حينما تبررها وتدافع عنها من باب حسن الظن ، وأشتاق لبعض كلماتها في الصباح * الدنيا صارت الظهر قوموا اصحوا * ، وأشتاق الى الفنجان القهوة الذي كان يجمعنا لنجامله وفي الحقيقة هي التي كانت تجمعنا والقهوة عبارة عن مذاق يحلوا في مجالسة أمي ، وأشتاق لانتظارها وهي تجلس على عتبات منزلنا حينما كنا نتأخر عن مجيئنا ، وأشتاق الى ذلك الإتصال حينما يظهر أسم أمي على شاشة الهاتف ، وأشتاق لخبزها وصنع مونة المنزل من يدها ،و أشتاق الى تمتماتها في الصلاة وهي تدعوا لنا .. وأشتاق لصوت خاتمها الذي كان يدق كلما استندت على درابزين الدرج وهي تصعد الى منزلنا العالي لتأخذ قسط من الراحة ، حتى في هذه لوعة أشواق .. وأشتاق وأشتاق ، وهل هناك اصعب من ثمّة أشواق التي تألمنا ؟، ولكن ما بال الشوق الذي لا يأتي بصاحبه .
يا عتبة الدار و يمر المارين بجنبها يسألون عن جمال حوض الأزهار ، ويسألون من الذي زرعه في يوم من الأيام و من هم سقياه و عن غصن الزيتون الذي تدلى ولم يحمل الثمار ولماذا كسر جذعه بعد ما كان لأمي في يوم من الايام كالظلال ، ويسألون لماذا تحركت بعض الحجار عن موضعها ، ولماذا ذلك الجدار الذي بني من بعدها، ويسألون عن الأحباب والجيران هل ما زالون يذكرونها ؟.
إنها أمي الذي تبعد عنّا فرق الزمان ، وتتبعها الذكريات وتذهب إليها بالدعوات ، أمي هذه الدنيا لو وجدت فيها لذهبت الآهات لبقيت الوجوه الجميلة كما هي وبقيت تلك الضحكات واختصرت في وجودها المواقف والعبارات والكلمات ، بل أكثر من ذلك ربما مسحت الدمعات بكفها الحنون وبقينا صغار كما كانت تظن .
حكمة ربي لا نعلمها لكن ربما إنها أقدار وأن الزمن ينتهي والمكان يتغير لكن الأحساس لا يتغير والقلب صاحب قرار ، رحم الله امي وجميع امواتنا واسكنهم فسيح جناته وحفظ كل أم في هذه الدنيا ومتعها الله بالصحة والعافية .