صنــــدوق النقد العربي يصــــدر العدد الثاني عشر من سلسلة “موجز سياسات” حول “حزم التحفيز المالي المُتبناة لمواجهة فيروس كورونا المُستجد”
استنفار دولي لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد بإقرار حزم تحفيز بنحو 8 تريليون دولار وفق التقديرات الدولية
ارتفاع حجم حزم التحفيز المُتبناة من قبل الحكومات العربية إلى 194 مليار دولار حتى تاريخه لمواجهة التداعيات الانسانية والاقتصادية للفيروس
حزم التحفيز العربية تركز على زيادة الإنفاق الصحي، ودعم الائتمان والسيولة، وتقديم المساعدات للأسر والشركات المتضررة، وتأمين الرواتب والأجور.
تمويل حزم الإنفاق من خلال موازنات تكميلية، وإصدار السندات، ورفع سقوف الاستدانة، والصناديق الخاصة
صندوق النقد العربي يقدم تسهيلات ائتمانية لمساندة جهود دوله الأعضاء لتجاوز الأزمة وتأمين احتياجاتها من السلع الاستراتيجية في هذه الأوقات الصعبة
رفع كفاءة الانفاق على الصحة ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودمج القطاع غير الرسمي أولويات أبرزتها الأزمة
حزم التحفيز تفرض تحديات على أوضاع الموازنات العامة وتستوجب في المدى المتوسط تكثيف الإصلاح المالي وتقوية حيز السياسات لمواجهة الصدمات الاقتصادية
في إطار حرصه على تطوير أنشطته البحثية، أصدر صندوق النقد العربي العدد الثاني عشر من سلسلة موجز سياسات حول حزم التحفيز المالي لمواجهة فيروس كورونا المُستجد. أشار الموجز إلى أنه في أعقاب الانتشار العالمي لفيروس كورونا المُستجد خلال شهر مارس من عام 2020 واتجاه العديد من دول العالم إلى تبني سياسات احترازية عديدة تضمنت حالات إغلاق كلي لحدودها، هبت المؤسسات الدولية وحكومات دول العالم لتبني السياسات الكفيلة بمواجهة التداعيات الإنسانية والاقتصادية الناتجة عن انتشار الفيروس.
في هذا الإطار، قامت مجموعة العشرين برئاسة المملكة العربية السعودية بتبني عدد من المبادرات من أهمها مبادرة الجاهزية العالمية لمواجهة الأوبئة (G20 Global Pandemic Preparedness Initiative) التي تهتم بإجراء تقييم لمدى جاهزية دول العالم لمواجهة الوباء وتحديد الفجوات القائمة بهدف صياغة تدخلات فعالة. لتمكين دول العالم من مواجهة الوباء تبنت دول المجموعة حزمة تحفيز ضخمة بلغت قيمتها 5 تريليون دولار (ما يمثل 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) لتوفير الموارد المالية بشكل عاجل لدعم خطوط الائتمان والسيولة وتمكين الحكومات من زيادة مستويات الانفاق على الصحة ومساندة القطاعات المتضررة والفئات الهشة. فيما بلغ إجمالي حزم التحفيز المالي المُتبناة عالمياُ 8 تريليون دولار (نحو 8.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي).
إقليمياً تبنت حكومات الدول العربية ممثلةً في البنوك المركزية ووزارات المالية حزم تحفيزية بنحو 194 مليار دولار حتى تاريخه، بهدف دعم الفئات المتضررة وتقليل حجم الأثر المتوقع الناتج عن تقييد الفيروس لحركة النشاط في عدد من القطاعات الاقتصادية الأساسية على دخول الأسر والشركات.
شملت حزم التحفيز عدة تدخلات تنوعت ما بين توجيه المزيد من المخصصات المالية لدعم الأنظمة الصحية، وخفض الفائدة بنسب تراوحت ما بين 1.5 و 3.0 نقاط مئوية، وخفض نسب الاحتياطي الإلزامي، وضخ سيولة في القطاع المصرفي لدعم الائتمان، وتأجيل أقساط وفوائد القروض المستحقة على الأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة المتضررة لمدة تتراوح ما بين 3 إلى ستة أشهر، وإعفاء المواطنين من رسوم خدمات المياه والكهرباء لمدة ثلاثة أشهر، وغيرها من التدخلات الداعمة الأخرى، من بينها تطبيق برامج الدخل الأساسي المُعمَّم، بما يخفف نسبياً من الأثر المتوقع لانتشار الفيروس على اقتصادات الدول العربية خلال العام الجاري. يُلاحظ في هذا الصدد تباين مستويات حزم التحفيز بحسب الحيز المالي المتاح لدى كل دولة عربية وكذلك مستويات شبكات الأمان الاجتماعي وقدرة الدول على حشد أموال ضخمة في وقت قصير لتجاوز الصدمات الاقتصادية.
تطرق الموجز كذلك إلى آليات تمويل حزم التحفيز المالي على المستوى العالمي والإقليمي، حيث شكل تمويل حزم التحفيز المعلنة تحدي لحكومات العالم في الاقتصادات المتقدمة والنامية في ظل الحاجة لحشد موارد تمويلية ضخمة بشكل سريع لتوجيهها إلى القطاعات الأكثر تضرراً، في وقت تشهد فيه مستويات المديونية ارتفاعاً في عدد كبير من الدول. تباينت وسائل تمويل الحزم من دولة إلى أخرى، فبعض الدول لجأت إلى تعديلات تشريعية لقوانين الموازنة للسماح بتجاوز السقوف الموضوعة لمستوى العجوزات في المالية العامة وإقرار المؤسسات البرلمانية لحزم التحفيز الضخمة لا سيما في دول الاتحاد الأوروبي. فيما لجأت دول أخرى إلى تمويل الحزم من خلال خفض بعض بنود الإنفاق أو تأجيل تمويل بعض المشروعات لتوفير حيز يسمح بتمويل الحزم دون ضغوطات كبيرة على أوضاع الموازنات. كما يتألف جزء من تمويل الحزم في عدد كبير من الدول، من تأجيل الحكومات لتحصيل المدفوعات الضريبية لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر بدون اللجوء إلى زيادات في الإنفاق، إضافة إلى التمويل من خلال إطلاق الهوامش الرقابية لرأس المال والسيولة لدعم قدرة البنوك على منح الائتمان. كما لجأ بعضها الآخر إلى الاقتراض لتمويل الحزم أو إنشاء صناديق تشترك فيها مؤسسات القطاع الخاص بالتبرعات لحشد الموارد التمويلية الكافية.
تطرق الموجز إلى دور صندوق النقد العربي في تقديم الدعم لدوله الأعضاء لتجاوز الأزمة، من خلال عدد من التسهيلات تساهم في سد فجوة تمويل ميزان المدفوعات، وبالتالي تعزيز الاحتياطيات ودعم قدرة الدول الأعضاء في احتواء الآثار الاقتصادية والمالية السلبية الفيروس. من ناحية أخرى، يقوم برنامج تمويل التجارة العربية من خلال نشاط شبكة وكالاته الوطنية (البنوك والمؤسسات المالية – العامة والخاصة) بمساندة الدول العربية من خلال الاستفادة من خطوط التسهيلات الائتمانية لتمويل المعاملات التجارية المؤهلة. في الوقت نفسه، يقدم البرنامج خطوط ائتمانية محددة مخصصة لتمويل السلع الاستراتيجية لتمكين الكيانات السيادية من تأمين احتياجاتها من السلع الاستراتيجية في هذه الأوقات الصعبة.
من جانب آخر، أشار العدد الثاني عشر من موجز سياسات إلى بعض الانعكاسات على صعيد السياسات من بينها ما يتعلق بضرورة ترتيب الأولويات فيما يتعلق ببنود الإنفاق المتضمنة في حزم التحفيز المالي والسعي نحو تبني تدابير مستقبلية تخفف من أية آثار متوقعة ناتجة عن انتشار مثل هذه الأوبئة وكذلك داعمة لمستويات قدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمات وذلك على النحو التالي:
دعم قطاع الصحة ورفع فاعلية الإنفاق الصحي
- رغم كون حزم الانفاق ركزت على ضخ الأموال إلى عدد من القطاعات المتضررة، إلا أن ترتيب الأولويات في هذه المرحلة ضروري لتحسين مستويات الاستجابة وتسهيل عملية التعافي الاقتصادي. في هذا الإطار، يُعد دعم القطاع الصحي من أهم الأولويات في المرحلة الحالية، فكغيرها من حكومات دول العالم استنهضت الحكومات العربية طاقاتها لتوفير التمويل اللازم لدعم القطاع الصحي رغم أن مستويات الانفاق على الصحة البالغة ما يقارب 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية لا تقل كثيراً عن المستوى العالمي البالغ 6 في المائة، إلا أن القطاع الصحي في عدد من الدول العربية يواجه عدد من التحديات لعل من أهمها الحاجة إلى رفع كفاءة الإنفاق على الصحة، والارتقاء بمستوى جودة الخدمات الحكومية، وتحسين أوضاع العاملين في قطاع الصحة الذين يمثلون خط الدفاع الأول في مثل هذه الظروف.
دعم قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على مواجهة الصدمات الاقتصادية
- كان لأزمة فيروس كورونا المُستجد آثاراً كبيرة على هذه المشروعات كونها غير قادرة على تحمل الصدمات الاقتصادية مقارنة مع الشركات الكبيرة التي يتوفر لديها فوائض مالية. من ثم انصبت التدخلات المتضمنة في حزم الإنفاق بشكل كبير على دعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لمساعدتها على تجاوز التداعيات السلبية لانتشار الفيروس من خلال آليات عديدة شملت إعفائها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة ورسوم الخدمات الحكومية والإيجارات في المناطق الصناعية وغيرها من الإجراءات لاسيما تلك العاملة في القطاعات المتضررة وعلى رأسها قطاع الخدمات بشكل عام وقطاع السياحة بشكل خاص، الذي تشير التقديرات إلى أن 80 في المائة من المشروعات العاملة به هي من المشروعات الصغيرة والمتوسطة. في هذا الإطار من الضروري السعي نحو المزيد من تمكين هذا القطاع من تجاوز الصدمات الاقتصادية المختلفة من خلال تعزيز فرص نفاذه إلى التمويل والضمانات. كما يبرز في هذا الصدد أهمية توسيع نطاق شمولية منظومة الضمان الاجتماعي ودعم قدرتها على مساندة المنتفعين في مثل هذه الظروف الطارئة، وهو ما يستلزم رفع كفاءة إدارة هذه الأنظمة بما يضمن استفادة أكبر للمنتفعين ومستويات شمولية أكبر.
شمولية القطاع غير الرسمي في منظومة الاقتصاد الرسمي
- أحد أهم العوامل التي رفعت من قيمة حزم التحفيز المالي في بعض الدول العربية التوجه إلى تخصيص مبالغ لتقليل مستويات تضرر المنشآت في القطاع غير المنظم والعمالة الموسمية. لا يزال القطاع غير المنظم يمثل أهمية كبيرة تفوق 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول العربية. في مثل هذه الحالات يكون هذا القطاع هو الأكثر تضرراً في ظل غياب أية منظومة للضمان الاجتماعي. بالتالي فأحد أهم الأولويات في المدى المتوسط يرتبط بدمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية بهدف توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع وفق أطر مهيكلة وبدون تحمل الدولة لأعباء ضخمة لدعم هذه الفئات وخلق مصدات تمكن هذه الفئات من امتصاص الصدمات الاقتصادية.
الاستدامة المالية
- سوف تؤثر المستجدات المرتبطة بفيروس كورونا على الموازنات العربية حيث سينتج عنها تراجع في حصيلة الإيرادات النفطية والضريبية في الدول العربية في الوقت الذي ستحتاج فيه حكومات هذه الدول إلى زيادة مستويات الانفاق لدعم الأنظمة الصحية، وتمويل حزم الإنفاق المخصصة للتخفيف من الآثار السلبية للفيروس. كما ستمثل تحدياً من جانب آخر لجهود الدول العربية للحفاظ على الانضباط المالي والاستدامة المالية، وستؤدي إلى إطالة الأمد المطلوب للعودة للمسارات التوازنية للموازنات العامة في عدد من الدول التي تتبني برامج متوسطة الأجل للتوازن المالي. بالتالي فإن استعادة نسق التحرك باتجاه الاستدامة المالية سيستلزم في المدى المتوسط تكثيف وتيرة الإصلاح المالي في عدد كبير من الدول العربية.
تقوية حيز السياسات لدى الدول العربية لمواجهة الصدمات
- الاقتصادات العربية وبطبيعة كونها منفتحة على العالم الخارجي تتأثر بالصدمات الاقتصادية الخارجية. كما أن الظروف الهيكلية لبعض الاقتصادات العربية كذلك تحول دون رفع مستويات قدرتها على مواجهة الصدمات الاقتصادية. تبرز في هذا السياق، في المدى المتوسط أهمية تبني إصلاحات هيكلية تستهدف خفض العجوزات في الموازنات العامة، وضمان بقاء الدين العام عند مستويات قابلة للاستدامة ووجود مستوى كاف من الاحتياطيات الرسمية. كما أن وجود قطاعات مالية متطورة وسياسة نقدية منضبطة وسياسة مالية واحترازية كلية معاكسة للدورة الاقتصادية، كلها عوامل تعزز من قدرة الاقتصادات العربية على مجابهة الصدمات الاقتصادية بأقل كلفة مُمكنة.