هبة الرواشدة تكتب تسخير العجز لصنع التغيير
تخيل أن لا تكون قادرا على قول: ” أنا جائع، أنا أتألم، شكرا أو أحبك، أن تكون عالقا في داخل جسدك، في جسد لا يستجيب للأوامر، محاط بالناس، لكنك وحيد تماما”.
أقتبس هذه الكلمات من محاضرة مارتن بيستوريس على منصة TED، مارتن الطفل المفعم بالحيوية والنشاط، الذي انتهى به المطاف على كرسي متحرك في سن الثانية عشر معزولاً عن العالم الخارجي و إن كان يعي تماماً مايحدث من حوله بسبب التهاب في الدماغ، فأصبح في عداد ذوي الاحتياجات الخاصة الذين مهما اختلفت حالاتهم ومستوياتهم المعيشية هم رفاق حرب ضد مظاهر التهميش والاستخفاف.
في عام 2011 قامت منظمة الصحة العالمية بإصدار تقرير عالمي حول الإعاقات بأنواعها لتكشف أمامنا حقائق مفزعة من أرض الواقع لأعداد الذين يعانون من عجز يحد من انخراطهم في مجتمعاتهم أو ممارستهم لأعمال معينة، غير أن التقرير حث أيضا على توفير ما يلزم من أجهزة ومعدات، لتمكين هؤلاء الأفراد من إعالة انفسهم أو تجاوز الإعاقة بحد ذاتها.
و رفدت الكثير من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان العالم بتقارير مشابهة، وتوصيات من شأنها حوكمة و مراقبة الاختلالات في نهج الدول والمجتمعات تجاه هذه الفئة.
حيث يقع على عاتق الدول و الحكومات وضع هذه الشريحة نصب أعينهم مما يترتب عليه الأخذ بعين الاعتبار حاجاتهم ومتطلبات لحاقهم بقافلة النمو والتنمية من حيث البنية التحتية واللوجستية و توفير فرص العمل، فنحن في نهاية المطاف لا نطمح فقط لتأمين الرعاية الصحية لهم إنما أن نوقن أنهم جزء لا يتجزأ من منظوماتنا على الأصعدة كافة .
وفي الطرف الثاني من المعادلة تتأرجح مفاهيم المجتمعات المغلوطة، التي تارة تثير زوبعة من الشفقة تجاههم وتارة تتجاهل قدراتهم في شق الطرق نحو إنجازات نقف عاجزين عنها، إذا ما تم توظيف إمكانياتهم لفعل الأشياء التي لا تعيقهم إعاقاتهم عنها تماما، كما فعل ستيفن هوكينغ عالم الفيزياء النظرية، الذي لم تمنعه إصابته بمرض التصلب الضموري العضلي من استنزاف عجزه لصالح العلم دون أن يبرح كرسيه المتحرك .
وفي سياق متصل يجب على ذوي الاحتياجات الخاصة استثمار سلوكهم الإبداعي كل حسب نوع العجز لديه كشركاء في التنمية، الكفيف له ان يبصر الأدب و الفن بأذان صاغية تماماً كما فعل طه حسين، و المقعد له أن يحدث ثورة في الصناعات الخفيفة كما للأصم اختراق فضاء التكنولوجيا، ومنصات التسويق الحديثة التي لا تحتاج لأكثر من صور مزخرفة وقائمة بالاسعار في بعض الأحيان ،أو حتى له أن ينافس بيتهوفن حين استطاع أن ينقل الموسيقى الكلاسيكية في القرن الثامن عشر إلى مستوى عجز عنه الآخرون.