صفحة ناصعة من تاريخ الشيوعيين في أم الفحم
شاكر فريد حسن- يعود تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي في أم الفحم للعام 1947، وذلك بمبادرة الخلية الأولى المؤلفة من الرفاق محمد موسى سليم عضو عصبة التحرر الوطني الفلسطيني، ومحمد يوسف شريدي عضو الجمعية الوطنية للشباب المسلمين، واحمد خضر حسن عضو جمعية العمال العرب في حيفا.
ولكن نشاط الشيوعيين الأوائل أقلق المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة بعد إنشاء الدولة العبرية، وكانت أول خطوة لها ضدهم نفي ثلاثة من أعضاء الخلية إلى قرية برطعه في العام 1949، وهم محمد شريدي واحمد خضر وابراهيم حسين حصري (أبو البديع)، وطُلِب منهم التخلي عن قيادة الحزب، ونتيجة هذا الضغط الذي مورس عليهم، تخلى أحمد خضر عن عضويته في الحزب مقابل اطلاق سراحه وتعيينه معلمًا في احدى المدارس، بينما شريدي وحصري صمدا أمام الضغط السلطوي وتمسكا بالطريق وخط الحزب.
وبعد تشكل الفرع اتصل هؤلاء الرفاق بفرع الحزب في الناصرة، وتم الاتفاق معهم على ارسال 5 جرائد من صحيفة ” الاتحاد ” لسان الحزب الشيوعي، في رزمة مع أحد السائقين الذين كانوا يمرون في شارع وادي عارة كل أسبوع مرة، إذ أن الجريدة كانت تصدر في حينه أسبوعية. وكان أحد الرفاق ينتظر موعد وصولها لشارع مصمص، أو عين ابراهيم أو عين الزيتونة ويحضرها لتوزيعها، وكانوا يبعثون بأخبار أم الفحم لنشرها على صفحاتها. بعد ذلك تزايد عدد المنتسبين للحزب واتسعت قاعدته الشعبية، وزادت نشاطاته في الشارع الفحماوي.
وكان أول أيار سنة 1958 يومًا مشهودًا في تاريخ الحزب الشيوعي بأم الفحم. فبينما كان الحزب يدعو جماهير العمال والشغيلة للتحضير لمظاهرة أول أيار، لتكون ردًا سياسيًا على احتفال الحكم العسكري في عيد الاستقلال بمناسبة مرور عشر سنوات على قيام اسرائيل، أصدرت السلطات العسكرية أمرًا بمنع التجمع أو التظاهر، ونشرت جوًا من الإرهاب في القرية، ومنع التجول في الليل والنهار، إلا أن الشيوعيين في أم الفحم، وبعد سماعهم ما حدث في الناصرة وهجوم قوات العسكر على مكاتب الحزب واعتقال الكثيرين من الرفاق، قرروا التظاهر بالأول من أيار، ولبت الجماهير الفحماوية نداء الحزب الشيوعي، وأشترك عدد كبير في رفع الشعارات، والتجمهر في ساحة مسجد المحاجنة أمام بيت محمد خالد أبو مرحى (أبو خالد)، أطال اللـه بعمره، وذلك وسط فرض طوق عسكري على القرية، وانتشار واسع للشرطة والبوليس العسكري وقوات الجيش. وحينئذ أدركت القيادة المحلية أنهم لم يسمحوا لعضو الكنيست الرفيق توفيق طوبي بالدخول لأم الفحم لإلقاء كلمة في مظاهرة أول أيار، فما كان منهم أن ارسلوا بعض الرفاق الشباب لمكان بعيد عن مدخل أم الفحم التي كانت في حينه قرية، وأدخلوا النائب توفيق طوبي عن طريق جانبي وعري من عين الزيتونة والعرايش وعين خالد سيرًا على الأقدام، حيث أستقبل في الساحة استقبال الأبطال، وصعد إلى “المنصة”، وكانت عبارة عن برميل، وقف عليه والقى خطابه الشهير المجلجل، بمناسبة أول أيار، عيد العمال الأممي، منددًا بالاعتداء الغاشم على عمال ورفاق الناصرة والجليل.
وطار صواب الحكم العسكري وجنوده بعد أن شاهدوا توفيق طوبي يلقي خطابه، في الوقت الذي طار فيه رفاق الحزب والمجتمعين فرحًا، وتقدم ضابط البوليس والعسكر من الرفيق طوبي، وقال له أحدهم صارخًا : هات تصريحك وأوراقك، فكيف دخلت أم الفحم..! لكن طوبي لم يأبه لكلامه وواصل خطابه، وقال له أنا عضو كنيست ومعي حصانة برلمانية. وعندما حاولوا انزاله بالقوة والاعتداء عليه اعطيت الإشارة من قبل قيادة الحزب بالتصدي لهم، وبدأ الشباب الشيوعي وغير الشيوعي بقذف قوات الشرطة والجيش وقوات العسكر بالحجارة والاشتباك معهم بالعصي.
وزاد غليان وغضب الجماهير المحتشدة عقب اختطاف النائب توفيق طوبي وإخراجه بالقوة من البلدة، وانطلق الهتاف ” شعبنا شعب حي ودمه ما بيصير مي”، ومن جهة أخرى زغاريد النسوة الفحماويات يجلجل حماسًا دعمًا للشباب الفحماوي الذي أراد الاحتفال بعيد العمال إلا أن قوات الحكم العسكري حولته إلى يوم مواجهة سفكت به الدماء.
لقد كانت هبة شعبية، ومعركة حقيقية، ومواجهة صدامية، معركة شوارع، من بيت لبيت، ومن زقاق لزقاق، ومن حي لحي، واستمرت الاشتباكات حوالي عشر ساعات، وكانت حامية الوطيس، وأصيب عدد كبير من أفراد الشرطة والجيش، وأصيب أيضا الحاكم العسكري، وعلى اثر ذلك شنّوا حملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 200 شخص، وتعرض المعتقلون لضرب وحشي يكاد يشابه الموت، وحوكم بسبب هذه الاحداث حوالي اربعين رفيقًا وصديقًا، منهم الرفاق ابراهيم حصري ، محمود حسين حصري، توفيق حصري، محمد الشريدي، ومحمد خالد أبو مرحى، ومصطفى أسعد عسلية وغيرهم. وكانت عقوبة السجن قاسية تراوحت بين 6 أشهر إلى سنتين ونصف، وكان آخر من اطلق سراحه سكرتير فرع الحزب الشيوعي محمد شريدي( أبو سامي)، الذي حكم عليه مدة 30 شهرًا.
لكن السجن لم يثنِ رفاق الحزب عن مواصلة دربهم ونشاطاتهم، وكانوا بعد خروجهم من المعتقل أشد عزيمة وأقوى ارادة ورغبة في التنظيم والطاعة الحزبية والنضال اليومي وتوسيع صفوف الحزب وإيصال كلمته وتوزيع صحفه ” الاتحاد، الجديد، والغد”.
وقاد الشيوعيون في ام الفحم نضال الفلاحين للوصول إلى اراضيهم وفلاحتها، ودافعوا عن قضايا وحقوق العمال ونجحوا بتحصيل تصاريح عمل لعشرات العمال، وبعد نضال مرير ودؤوب نجحوا بإرغام السلطات فتح مكتب عمل يخدم عمال ام الفحم والمنطقة حتى باقة الغربية. وكان للشيوعيين في أم الفحم الدور الفعال والملموس في نضالات ونشاطات الحزب القطرية لإلغاء الحكم العسكري ورفع مطالب الجماهير العربية اليومية، وحمل رايات النضال ضد الحرب، ولأجل المساواة وضد العنصرية والتمييز وفي سبيل المساواة في الحقوق.