المهندس علي ابوصعيليك يكتب :اللي يجرب المجرّب عقله مخرّب !
كتب المهندس علي ابوصعيليك
لازالت جائحة الكورونا تحصد الأرواح في مختلف بلاد العالم وأيضا فهي تفتك بالإقتصادات والعديد من مجالات العمل بدأت تنهار تدريجيا ومن ابرزها السياحة على سبيل المثال وما يتبعها من خدمات وبمرور الوقت تبدو المؤشرات أننا نتجه نحو سنين عجاف اقتصاديا ولذلك فإن الحلول التقليدية لن تكون مناسبة للمرحلة المقبلة والجباية والقروض ليست هي الحلول الكافية للتعايش مع مرحلة ما بعد الكورونا أو بشكل أدق مرحلة الكورونا لأنه لا بوادر لنهاية هذه المرحلة وأغلب المقترضين من صندوق النقد الدولي لازالوا يعيدون الكره ويقترضون من جديد لعدم وجود خطط إستراتيجية طويلة الأمد تنتهي معها الحاجة من جديد للافتراض ولكن!
من المشاكل اللتي تلوح في الأفق ولا يمكن للقروض أن تحلها هي زيادة البطالة المتوقعه من عودة العديد من المغتربين من الخارج وخصوصا من دول الخليج العربي والمتوقع أن يفقدوا أعمالهم نتيجة الجائحة وتوابعها والأسواق العربية باستثناء بعض دول الخليج العربي أصلا هي أسواق مشبعه بالبطالة ولا يوجد ابتكار في الحلول والأغلب يبحث عن حلول سريعة سرعان ما تثبت فشلها والمشكلة هي العودة لنفس الحلول وهو ما يراكم المشاكل الاقتصادية ومع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المنطقة الملتهبة بالصراعات الإقليمية وعدم وجود استقرار منذ عشرات السنين فإن هذا هو واقع المنطقة ولذلك يفترض التعامل معه كواقع وليس كمرحلة مؤقتة واستغلال هذه الجائحة لتكون بداية لحل اقتصادي جذري يتطلب أولا الوضوح مع المواطنين والحل يبدأ في الاعتماد على الذات وتقليل سقف التوقعات لنقترب كثيرا من حقيقة إمكانياتنا الوطنية وبمرور الوقت وعندما يجد المواطن مصداقية عند صناع القرار فإن الكثيرين قد يتكيفوا مع المتغيرات ويغيروا من نمط معيشتهم وفق الامكانيات المادية للمرحلة القادمة وهي مؤكدا أقل بكثير مما مضى.
فعلى سبيل المثال في الأردن فإن قطاع الزراعة هو أحد القطاعات الحيوية والقابلة للتطور والاستثمار فيها بشكل كبير حيث تتواجد المساحات الزراعية والمناخ المطري والثقة في المنتج الزراعي الأردني من الدول المجاورة وهناك أيضا قطاع الخدمات الطبية من كفاءات وصناعات دوائية وخدمات لوجيستية وهو ما اثبتته مرحلة الكورونا حيث تميز الجيش الأبيض الأردني بالإضافة لتميز الصناعة الدوائية ولكنها ليست مستغلة كما يجب بحيث تكون المملكة محورية في المنطقة في هذا القطاع وقطاع المعلومات الرقمية هو قطاع حيوي فيه تميز أردني ومن الممكن أن تكون هذه القطاعات أساس تعتمد عليه الدولة بنظام الشراكة مع القطاع الخاص وفق اساليب تعتمد الاستدامة والربح للطرفين وهنالك ايضا قطاع التعليم حيث أن استنساخ فكرة المدن الجامعية كما في إمارة دبي على سبيل المثال حيث تتواجد فروع لأفضل جامعات العالم من مختلف القارات وهو ما يتيح نمط مختلف من التطور إضافة لاستحداث فرص العمل.
ولكن التطور يجب أن يترافق مع تطور في الأنظمة والقوانين التي تنظم عمل هذه القطاعات بحث يتم التركيز على الشراكة وليس الضرائب حيث أن الشراكة تعطي دخلا أعلى بكثير وأيضا توفر أرضية لنجاح الطرفين بعكس نظام الضرائب التقليدي والذي لا يشجع رأس المال أصلا على الاقتراب للاستثمار وقد حدث فعلا ان اسواق قريبة وبعيدة قد جذبت راس المال للاستثمار فيها لأنها واكبت متطلبات الاستثمار ومنها مثلا سنغافورة وتركيا على سبيل المثال.
لا بد من إدراك خطورة المرحلة القادمة من نواحي اقتصادية وصعوبة معيشة المواطن بدون استحداث فرص عمل وتفعيل قطاعات وجذب رأس المال للاستثمار لأن ملامح المرحله ترسمت بوضوح مبكرا حيث اعتمد وبحث الكثير من المواطنين عن المساعدات وهذا قد يتم لفترة بسيطة فقط وأيضا انخفضت القدرة الشرائية للمواطن بشكل مذهل مع انخفاض الرواتب وهذا من شأنه أن ينهي وجود العديد من القطاعات التجارية وإذا لم تكن هناك خطط حقيقية ومواجهة صادقة مع المواطن فإن القادم سيكون وخيما جدا على الجميع والاستمرار بالاعتماد على قروض البنك الدولي هو اسلوب لا يخرج عن فكرة اللي يجرب المجرّب عقله مخرّب !