قراءة في رواية ” الصبار ” للكاتبة الفلسطينية سحر خليفة

بقلم : شاكر فريد حسن

” الصبار ” هو عنوان الرواية التي صدرت للكاتبة الروائية الفلسطينية سحر خليفة سنة 1976، وأحدثت في حينه صدى كبيرًا بين الأوساط الشعبية والمحافل الأدبية والثقافية في فلسطين، وبها حظيت بالاعتراف الأدبي كروائية متميزة.

تُعد سحر خليفة من أهم الروائيين الفلسطينيين، وهي من مدينة نابلس، تزوجت في سن مبكرة، وبعد مرور ثلاثة عشر عامًا من الاحباط وخيبات الأمل تحررت من هذا الزواج، وكرست حياتها للتعليم والكتابة والابداع الروائي، فحصلت على شهادة الدكتوراه وأصدرت عدد من الروايات، التي لاقت استحسان القراء والنقاد والمهتمين بالقص السردي.

و ” الصبار ” من الروايات الجدلية المهمة، بما ادركته كاتبتها من بصيرة للواقع الفلسطيني متعدد الرؤى، وعدم استكانتها لسطوة المحتل، ويبقى للصورة فيها أكثر من بعد. وهي من روايات الوجع الفلسطيني، تقطر ألمًا، وتصور معاناة ونضال ومقاومة شعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال. وتدور أحداثها في فترة السبعينيات من القرن الماضي، في مدينتها نابلس، وتحكي عن مظاهر الحياة الاجتماعية وأنماط الحياة والقيم المسيطرة، وتطرح للنقاش فكرة العمل في المستوطنات وفي داخل المدن الاسرائيلية. ولا تغفل الرواية معالجة قضية حرية المرأة، وتطرح ما يدور بخلد الكاتبة من أفكار ومفاهيم ومعتقدات مستقاة من رحم الواقع ومن البيئة الفلسطينية المعاشة ومن المعايير الاجتماعية السائدة. وتصبو سحر خليفة في روايتها إلى احداث التغيير المرتجى والمأمول في المجتمع الفلسطيني واشاعة قيم الحرية والتمرد والثورة والاستقلال والفكر الحر، وتنجح في تجسيد معنى الوطن والتغني بكل حبة تراب فيه.

وأبرز مسألة تعالجها سحر خليفة في روايتها ” الصبار ” هي اضطرار العمال الفلسطينيين العمل في اسرائيل، وذلك لأن الواقع الذي يعيشون في جنباته فرض عليهم هذا العمل، لعدم توفر فرص العمل في الضفة والقطاع، فلم تبن مصالح اقتصادية تسمح بمقاطعة المصالح اليهودية وحماية العامل الفلسطيني من الاذلال والقهر والاستغلال الفاحش.

وترسم سحر خليفة في ” الصبار “، التي تدور أحداثها في بدايات السبعينيات، صورة للانقسام الفلسطيني بين من يؤمن بالعمل العسكري الميداني سبيلًا للتحرر، وبين من يؤمن بالنضال السياسي ويريد تكوين طبقة بروليتارية وتنظيم العمال الفلسطينيين في المصانع الاسرائيلية واحداث التغيير الاقتصادي. ونجدها تصور في الرواية بؤس العائلة الفلسطينية تحت حراب الاحتلال، والظروف القاسية الصعبة التي تواجهها، وتقدم المرأة في صورتين، امرأة تقليدية ضعيفة مستغلة، وأخرى واعية ومثقفة ومناضلة ومتمردة على الاغلال الاجتماعية التي تكبلها وتقيدها.

وتمزج الرواية بين الهم الاجتماعي والمطالبة بحرية المرأة، وبين الهم الوطني، وترصد آثار الاحتلال الاسرائيلي، ونلمس فيها شبكة مترابطة من العلاقات الإنسانية والاجتماعية وكأنها لوحة للمجتمع الفلسطيني التقليدي.

وتتوقف سحر خليفة عند نموذج البطل الثوري الذي يشعله الهم الوطني، ويتبنى ضرورة التصدي للمحتل ومقاومته بسبل النضال المتاحة والمشروعة. وهي تلتزم التعبير عن قضايا مجتمعها، وتصوير الحياة اليومية للناس وما فيها من تعقيدات وتشابكات، وتركز على قضية التحرر الاجتماعي كشرط للتحرر الوطني، بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. وترى أن فشل الانجاز الوطني سببه التخلف الاجتماعي، الذي لم يمنح ويعطِ المرأة دورها الحقيقي في التنمية والنهوض والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية.

وتتخطى سحر في ” الصبار ” هموم المرأة الذاتية وتلتصق بهموم الشعب، بحيث تشكل المرأة جزءًا مهمًا فيه، ويلتحم في عالمها المرأة والرجل والفدائي والعامل، وتقوم بتفكيك العائلة الاقطاعية وتجعل منها مناضلين ومقاومين للاحتلال.

رواية ” الصبار ” تمثل نموذجًا للرواية الواقعية الناجحة، ونقلة نوعية في السرد الروائي النسائي الفلسطيني خاصة، وفي توجه سحر خليفة الفني والموضوعي. اعتمدت فيها على السرد واللغة الرشيقة السلسة والحوار الشائق العميق والشخصيات الثانوية والمركزية، ومزجت بين الزمان والمكان، وتفاعل هذه العناصر الفنية مجتمعة خلق نصًا روائيًا ناجحًا جعل من الكاتبة رسامة ماهرة ومصورة ناجحة في نقل تفاصيل الواقع وتصوير أحداثه وتداعياته، فلها أجمل التحيات.

 

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى