د. عبد الله محمد القضاة يكتب: نحو مبادرة شعبية لتنظيم عملية الافراح والمناسبات الأجتماعية
د.عبدالله محمد القضاه- فرضت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، نمطاً سلوكياً جديداً على العديد من شعوب الأرض، ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية نتطلع دائما الى تحويل المحن إلى منح؛ إذ إن المصائب التي لا تقضي علينا تعدُ قوة لنا، لذا نرى كان لزاماً علينا أن نطلق العديد من المبادرات التي تهذب سلوكنا الاجتماعي، بحيث نؤديه بشكل حضاري؛ يستجيب لمتطلبات ديننا الحنيف، وقيمنا السمحة، في التخلي عن بعض العادات الاجتماعية التي ترهق كاهل المواطن، وتشكل عبئاً اجتماعياً لا يطاق وخاصة أننا نعيش ظروفاً اقتصادية صعبة.
نمارس في أفراحنا وأتراحنا طقوساً بعيدة عن المنطق، هدفها التفاخر والكبرياء، وأحياناً النفاق الاجتماعي، وتقليد أعمى لمجتمعات تختلف عنا حضارياً وفكرياً ومادياً. وعندما تنتهي طقوس مناسباتناً؛ تترك فينا ألماً وحسرة، لأنها سببت لنا بضائقة مالية، تذهب كل بهجة كنا نتظاهر بها، وتثبت أننا كنا نعيش لحظات نفاق اجتماعي كاذبة.
دعيتُ ذات يوم لاستقبال جاهة لخطبة ابنت صديق، وعلى الرغم من سروري بمشاركته فرحه بابنته؛ غير أنني تألمت جسدياً ونفسيا؛ فقد وقفت طويلاً لمصافحة وتقبيل الحشد الكبير الذي ربما يشبه مبايعة زعيم على خلافة الأمة، أما نفسيتي فلم تكن بخير وأنا أشهد إغلاق معظم الطرقات المجاورة لموقع الجاهة. كما آلمني كثيراً خطابات النفاق، والتبجيل المشترك، “لقائد” فيلق الجاهة صاحب المعالي، الذي لو شاهد العريس صبيحة اليوم الثاني لما عرفه، أما “قائد” فرقة الاستقبال فقد جعل المخطوبة في منزلة فاطمة الزهراء في عفافها، وبلقيس في جمالها، مع أنه لا يعرف اسمها، إذ قرأها بتلكؤ من الورقة التي “زرقت” له على إستحياء!.
بعد الجاهة بحوالي شهر وصلتني بطاقة مذهبة جميلة اعتقدت أنها لحضور حفل الزفاف؛ غير أنها كانت لحفلة خطوبة للفتاة نفسها في صالة فخمة في محافظة اخرى وبساعة متأخرة ؛ ورغم انني أجد صعوبة في قيادة السيارة ليلاً، لكنني استعنت بشقيقي لقيادة سيارتي، وذهبت على مضض خشية زعل صديقي من عدم حضوري.
قبل حفل الزفاف بيوم عدت الى البلد الذي يسكنه صديقي وابن بلدي، وكذلك عريس إبنته؛ وكنت بحاجة ماسة للراحة الا انه تعذر ذلك لارتفاع مكبرات الصوت التي تخلو من أي طرب وتزعج من هم في مثل عمري، كما تزعج غيري من طلبة العلم والمرضى، وكبار السن، لأن حفلات السمر تستمر لساعات متأخرة من الليل، وفي يوم الزواج تبدأ معاناة أخرى ؛ حيث مطلوب منك مرافقة “فاردة” العرس عبر موكب يغلق نصف الطريق من بيتك باتجاه “الصالة ” الفخمة، على بعد قرابة ثلاثين كيلومترا لتحضر مراسم عقيمة تخلو من الفرح الحقيقي، وتعود لبيتك منهكاً، وقد تفاجئ أنك مدعو لأكثر من هكذا “حفل” في عطلتك الاسبوعية التي أصلا يفترض أن تكون لراحتك وراحة أسرتك.
وكي تتخلص مجتمعاتنا من هذه العادات والتقاليد غير الحميدة؛ فإنني أقترح هذه المبادرة متمنياً على مجتمعنا الأردني تطبيقها بشكل مستدام، بعد أن تنتهي جائحة كورونا، والتي لها كان لها فضل في تعديل أنماط سلوكنا بالشكل الذي يريده معظمنا.
- جاهة العروس: الاكتفاء بالأقارب من الدرجة الأولى والثانية للعروسين (الجد، والأعمام، والأخوال، والأخوة)، بحيث تكون في بيت أهل العروس.
- المهر: مراعاة تخفيف المهور، وعدم المغالاة فيها، فقد ورد في الحديث أن الرسول عليه السلام، زوج أحدهم بما يحفظ من القرآن:”… زوجتكها بما معك من القرآن…”، ومطلوب من علماء الدين، وخطباء المساجد، ووسائل الإعلام تسليط الضوء على هذا الأمر.
- حفلات الخطوبة: الاقتصار على الحفلات المصغرة، بحيث يكتفى بدعوة الناس الأقرب للعروسين، كما ذكرنا سابقاً ويقام الحفل في بيت أحد العروسين، ويتم توزيع الحلوى ضمن تكاليف معقولة.
- حفل الزواج: يقام حفل الزواج بشكل مختصر في ساحات البيوت، لإعادة الحياة لبيوتنا، وإن تعذر ففي قاعة الأفراح الأقرب لأهل العريس، وفي نفس المنطقة/ البلدة، ويمكن أن تكون في ديوان العائلات، والاكتفاء بالسهرات البيتية (الشعبية)، بدون فرق الطرب والغناء ومكبرات الصوت، بدعوة الأقرب للعروسين، وجيرانهم وبعض أصدقائهم، وقد يولم بشاة واحدة إحياء للسنة، وتوزع الحلويات المناسبة، وتكون الدعوة من غيرالبطاقات “الكروت”.
هناك العديد من العادات لم تعد مقبولة، فالتقبيل يستغنى عنه بالمصافحة، كما أن “النقوط” يعرض الناس للإحراج، فالذي يريد مساعدة العريس فليساعده بعيداً عن عملية “القرضة والدين” وعليه لا داعي “للنقوط”، والأهم من ذلك إلغاء سيارات “الفاردة” والزفة وإطلاق العيارات النارية.
كما أن على أهل العروس عدم الأصرار على طلب تكليف تجهيز إبنتهم مثل “المبالغة ببدل جهاز البدن” و طلب إرسال ابنتهم لصالونات فاخرة، وشراء أو استئجار فستان عرس ثمين، فصالون المنطقة مناسب جداً، ويمكن الاكتفاء بفستان مقبول بعيداً عن ” البهرجة”، والتقليد.
يمكن إشهار النكاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن للجميع تقديم التهاني عن بعد، وبالتالي علينا أن نعدل سلوكياتنا بما يتوائم ومتطلبات المرحلة، والأهم من ذلك مع متطلبات ديننا الحنيف، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة.
وفي ذات الوقت الذي نتحدث فيه عن مناسبات الأفراح؛ علينا أن لا ننسى ضرورة التوقف عن مواكب الخريجين التي باتت ظاهرة غير حضارية؛ التي تتسبب في الكثير من حوادث السير، وتعطيل مصالح المواطنين، كما أننا مطالبون بالحد من عدد المدعوين للعطوات، والصلحات بشكل لا يتجاوز العدد المشار إليه بجاهات الأعراس.
مطلوب من جميع الأردنيين التحرك سريعاً لتطبيق هذه المبادرة، وصياغتها ضمن مواثيق شرف تلزمنا أخلاقيا؛ على أن تعمل الدولة على تشريعها مستقبلاً لتأخذ الصفة القانونية الملزمة.
*أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة سابقا