م. علي ابو صعيليك يكتب: متى ستفرز الإنتخابات البرلمانية الأردنية مجلسا مفيداَ للوطن والمواطن؟
م.علي فريح ابوصعيليك- يقترب الأردن من استحقاق دستوري مهم وأساسي يتمثل في إجراء الإنتخابات البرلمانية صيف هذا العام 2020 وهو ما يتبعه تشكيل حكومة جديدة وفق الدستور ولغاية الآن لم يتأكد إجراء الإنتخابات بسبب التعليمات المرافقة لجائحة الكورونا وخصوصا ما يتعلق بضرورة التباعد الإجتماعي ولكن المؤشرات تتجه لإجراء الإنتخابات وفق إجراءات مشددة تراعي السلامة العامة مع الأخذ بعين الإعتبار نجاح الدولة الأردنية بكافة مكوناتها في السيطرة على إنتشار الوباء بدليل عودة مظاهر الحياة إلى طبيعتها مؤخرا مما يؤكد إجراء الإنتخابات في موعدها ومن ناحية أخرى فإن عدم تأجيل الإنتخابات يعزز نجاح الأردن في مواجه الكورونا ومع الأخذ بعين الإعتبار أن هنالك حالة عدم رضا شعبي عن مخرجات مجلس النواب الحالي بل وأغلب مجالس النواب السابقة، فهل يمكن أن تفرز الإنتخابات القادمة مجلس نواب قادر أن يحدث الفارق ويشكل إضافة للوطن والمواطن على حد سواء؟ ولماذا تزداد الفجوة في الثقة بين المواطن والمجلس الذي يفترض أنه يمثله؟
وبمراجعة تاريخية مبسطة جدا عن قوانين الإنتخابات، ومنذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989 تم إجراء الإنتخابات وفق قوانين مختلفة وصل عددها ستة قوانين منها ثلاثة قوانين مؤقتة وبدأت سلسلة القوانين منذ إنتخابات عام 1989 التي جرت بدون قانون الأحزاب السياسية الذي تم إقراره لاحقا عام 1992 ورغم ذلك كان مجلسا قويا جدا بل قد يكون المجلس الأقوى في تاريخ البرلمان الأردني حيث تنوع الأعضاء في توجهاتهم الفكرية الإسلامية والقومية والشيوعية وكان عدد الأعضاء (80) نائباُ بل ولازال بعض أعضاءه يتمتعون بقبول شعبي لغاية الأن وكانت فكرة ذلك القانون قائمة على نظام القوائم المفتوحة والناخب يختار من كافة القوائم دون أن يكون ملتزم بقائمة بعينها، ، ثم جاء القانون المؤقت عام 1993 وفيه تم منح الناخب صوتا واحدا فقط وفي عام 2001 صدر قانون مؤقت جديد أرتفع بموجبه عدد أعضاء المجلس إلى (110) نائباُ وفي عام 2010 كان هنالك قانون مؤقت ثالث زاد بموجبه عدد النواب إلى (120) نائباُ وتم إدخال بعض التعديلات على طريقة الإنتخاب وعام 2012 كان هنالك قانون جديد أرتفع بموجبه عدد النواب إلى (150) نائباُ، وأحدث القوانين الإنتخابية هو القانون الحالي المعمول به منذ عام 2016 بموجبه أصبح عدد النواب (130) نائباً، والترشيح يكون عن طريق القائمة النسبية المفتوحة.
والحكومات المتعاقبة هي المسؤولة عن هذه التغييرات في القوانين والتي نتج عنها مجالس لم تكن على مستوى الحدث ولم تشكل الإضافة لا للوطن ولا للمواطن والحقيقة العملية أن الإستقرار مهم ومفيد وينتج عنه غالبا برامج وأهداف طويلة وقصيرة المدى وعلى النقيض من هذا فإن عدم الإستقرار في حالة مجلس النواب هي حالة أوجدتها الحكومات المتعاقبة وخسر الوطن كثيراُ من عدم الإستقرار هذا وبالتالي فإن أحد أهم أسباب سوء الأداء الذي إتصفت به العديد من المجالس تتحمل الحكومات المتعاقبة جزء كبير من المسؤولية فيه، ومن المؤكد أن عدم إستقرار قانون الإنتخاب له أسبابه المعلومة والمجهولة ومنها إقصاء بعض القوى السياسية مثلا والعمل على إرضاء جهات من ناحية أخرى وأغلب القوانين جاءت مع ظروف محلية و إقليمية مهم، ومهما إختلفت الأسباب فإن النتيجة واحدة وهي فشل فكرة التغيير في قانون الإنتخابات في إيصال نخبة من المواطنين القادرين على إحداث الفارق وإفادة الوطن والمواطن، والحقيقة أن الخلل لا يمكن أن يكون في كل هذه القوانين بقدر ما هو في عدم وجود رغبة حكومية حقيقية في وصول نخبة من أبناء الوطن قادرين على إحداث الفارق وتركيز الحكومات المتعاقبة على تمريرها لبرامجها والتي لم تقدم العديد منها الفائدة العامة للوطن والمواطن.
ومن ناحية أخرى وعند النظر لأهم مكونات العملية الإنتخابية وهو المواطن فإن العديد من الأمور تؤخذ بعين الإعتبار في التحليل تختلف في الماضي عن الحاضر بسبب إختلاف الإهتمامات والتحديات والظروف، فالمواطن يصوت حسب قانون الإنتخابات، ففي مرحلة تعدد الأصوات عام 1989 إستطاع المواطن إرضاء ابن عشيرته وبنفس الوقت قام بالتصويت لمن إقتنع بقيمته وقدراته من المرشحين الأخرين ولاحقا عندما أصبحت القوانين بنظام الصوت الواحد وتفرعاته أصبح التركيز على أبن العشيرة بالمقام الأول وهو ما أدى إلى تغييب القوى السياسية تماما وكما أن الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها المواطنين قد ساهمت إلى حد ما بتوجيه صوته نحو مرشح العشيرة وغالبا ما يكون صاحب المال والنفوذ البيروقراطي الذي يستطيع تحقيق فوائد منفعية للبعض من الخدمات في أجهزة الدولة العسكرية والمدنية، ولكن هذا الفكر لم يكن يوما ما بمصلحة الوطن والمواطن بل زاد من المعاناة والخلل، والأن وبعد تجارب عديدة يفترض أن يكون العديد من المواطنين قد أدركوا مساوئ سوء الإختيار وأن يعودوا لإختيار الشخص المناسب وفق ظروف المرحلة.
وبالأخذ بعين الإعتبار أن الأردن جرب أغلب النظم الانتخابية تقريبا وأن البرلمان يجب أن يمثل الوطن والمواطن ولا يمثل عليهما وهذه المرحلة من عمر الوطن فيها تحديات سياسية ليست مسبوقة أبرزها صفقة القرن وتهديدات الكيان الصهيوني وأيضا تحديات إقتصادية ضخمه فرضتها جائحة الكورونا وما سبقها من تراجع إقتصادي رهيب وزيادة ديون الأردن الخارجية وعجز الحكومات المتعاقبة في تحقيق حلول وتزايد التذمر والحديث الشعبي عن نبذ الفساد بكافة أشكاله وأيضا عدم الخوف من المعارضة لأنها أثبتت أنها جزء من الوطن وإن إختلف إسلوبها إلا أنهم لا يختلفون عن الجميع فيما في الولاء للوطن وقيادته الهاشمية، ومع الأخذ بعين الإعتبار الدعوات العديدة التي أطلقها الملك عبد الله الثاني في العديد من التصريحات إلى تمكين الشباب الأردني من المساهمة بشكل أكبر في التطوير والبناء، وبالتفكير الإيجابي والنظر إلى الأمام دائما فإن مجلس النواب القادم يفترض أن يكون واحد من أهم المجالس في تاريخ المملكة نظرا لهذه التحديات الضخمة وستكون خسائر الوطن كبيره جدا إذا فشل الجميع في إيصال نخب سياسية وإقتصادية على قدر المسؤولية والحدث.