سهير جرادات تكتب: تجار أبقراط
سهير جرادات- كشف وزير صحتنا الدكتور سعد جابر المستور في واقعنا الطبي ، عندما تحدث بكلمات قاسية توبيخية عن ممارسات غير مقبولة لبعض الأطباء والكوادر الطبية وبعض المستشفيات الخاصة بحق المرضى، خاصة ما يتعلق بالسياحة العلاجية .
وجاءت كلمات الوزير – رغم خلوها من الروابط وغياب أحرف الجر والعطف – اعترافا وإدانة وعدم رضا عن الإجراءات الاستغلالية المعتمدة على مبدأ التجارة البعيدة كل البعد عن الإنسانية ، وهو ما يتعارض مع مهنة الطب ، إذ قال حرفيا في المؤتمر الصحفي، الذي عقد في مبنى وزارة الصحة في الحادي عشر من تموز الحالي، للإعلان عن إجراءات برامج السياحة العلاجية : ” أرجو التقيد بالأشياء التي كانت منفرة في السابق.. ارتفاع الأسعار الكلف، أو المغالاة فيها .. ثم وضع بعض الأسعار للإجراءات التي تجري بشكل أكثر من غيرها ، هذه الأسعار أريد أن اؤكد أنها بالدرجة الأولى للمرضى، والتعامل معهم بشكل يضمن حقوقهم بشكل عام”.
الموضوع ليس بجديد ، إذ كتبت في السابق تقارير صحافية عن الإجراءات المسيئة لسمعتنا الطبية مثل استغلال بعض الأطباء والمستشفيات الخاصة أو المواطنين العاديين للمرضى القادمين للأردن لتلقي العلاج لما نتمتع به من سمعة ميزتنا عن غيرنا في المنطقة ، وجعلتنا قبلة للعديد من الدول المحيطة والبعيدة ،إلا أن ما أساء إلى سمعتنا الطبية تلك الممارسات من قبل بعض الأطباء بإجراء فحوصات وعمليات جراحية لا حاجة ولا داعي لها سوى الزيادة الفاتورة وتضخيمها ، مما دفع بعض البلدان إلى رفض دفع الفواتير العلاجية ، وبقيت الفواتير عالقة لسنوات طويلة ، الأمر الذي أثر في سمعتنا ومكانتنا الطبية .
كان بعض المواطنين يعتبرون السياحة العلاجية فرصة للكسب غير المشروع ، باستغلال حاجة المرضى للعلاج وتعرضهم للنصب والاحتيال ، وكلنا قرأنا عن سائق التكسي الذي راجع احدى العيادات الخاصة طالبا نسبته عن الزبون، الذي أحضره من المطار بعد أن عرف رغبته بتلقي العلاج من العقم ، ليدخل على أول عيادة تقع عينه عليها، مطالبا الطبيب المختص بمبلغ مالي مجز مقابل هذه الخدمة !!
الأمر لا يتوقف عند السياحة العلاجية ، فما يمارس علينا نحن المواطنين أشد وبالا .. دعوني اخبركم بتجربة شخصية مررت بها اخيرا لدى مراجعتي لاحدى العيادات الخاصة، عندما شدد الطبيب على إجراء صورة طبقية في مركز خاص قرب العيادة ، واجرى مكالمة هاتفية للتوصية ، لأنتبه بعد إجراء الصورة والعودة للعيادة ؛ أننا جميعنا في غرفة الانتظار نحمل ملفات تحمل اسم مركز الاشعة ذاته ، الأمر الذي دعاني إلى أن أعيد التفكير في مكالمة التوصية التي اجراها الطبيب ، والغاية من ورائها !!..
واستمرت فصول المسرحية ، فبعد مشاهدة صورة الأشعة ، رفع الطبيب الخط ؛ وقام بواجب التوصية لدى مركز العلاج الطبيعي ، وما ان وصلت المركز ، حتى فوجئت بعاملة الاستقبال تخبر صاحب المركز بوصول المريضة ، وعند ذكر الاسم استغربت أن الطبيب المختص لديه ابنة تحمل اسمي نفسه، لاكتشف بعد دقائق أنني أنا المقصودة ، واصبح اسمي لدى المركز يعرف باسم الطبيب الذي حولني ، وكأننا “صيدة ” تلحق اسماءنا لغايات تصنيفنا لأي طبيب يتبع ، ولغايات خاصة بينهم !!..
إن حصولك على تأمين صحي خاص مدفوع الثمن، لا يؤهلك للحصول على رعاية وعلاج جيد ، حيث ان الاولوية لدى بعض الأطباء والمراكز العلاجية في تقديم الخدمة الجيدة لمن يدفع” كاش” ، لان الأجور تبلغ ضعف ما هو متفق عليه بين هذه المراكز والأطباء مع شركات التأمين ، لتجد أن الوقت والخدمة المقدمة لك لا تعادل 20 بالمائة من المبلغ الذي تدفعه!!
كلنا يعلم عن ممارسات بعض الأطباء في تحصيل اجورهم عند إجراء العمليات ، والدفع “كاش” وفي الغرف العلاجية، وقبل أن يرتدي المريض المريول الأزرق المخصص للعمليات ، وهذا كله يحدث دون رقيب أو حسيب ، حيث يتم في بعض المستشفيات الخاصة دفع الفاتورة العلاجية مجزأة على قسمين ، قسم يدفع بفاتورة لدى محاسبة المستشفى لقاء أجرة غرفة العمليات والغرفة الفندقية ، والقسم الثاني يدفع للطبيب الذي يجري العملية “براني”، واعتقد أن هذا ما يعرف ب ” التهرب الضريبي” !!
كل هذا الذي يجري ، يذكرنا بقسم أبقراط وهو – النص – الذي عادة ما يقسم عليه أطباء العالم جميعهم عند تخرجهم ومزاولتهم لمهنة الطب النبيلة ، والذي سمي نسبة لصاحب فكرة هذا القسم الشهير هو ابقراط ، الملقب بأبي الطب وأعظم أطباء عصره ، إلا أن بعض الممارسات الخاطئة، دعت وزير صحتنا لتذكير بعض الأطباء الذين نسوا هذا القسم أو تناسوه ، وتحذيرهم من التحول إلى تجار ابقراط ..