تموز .. شهر ثورة العراق البيضاء والتحديات والعطاء الوطني والقومي
* عبدالحميد الهمشري
شهر تموز ، شهر العطاء والوفاء ، شهر امتلاك القرار السياسي والاقتصادي ، يعيد للذاكرة أسباب الهجمة الفارسية الصهيو أمريكية الشرسة على العراق ، والذيول التي ما فتئت تغرد خارج السرب العراقي ، بانقيادها الأعمى لتوجيهات المتربصين شراً بالعراق الدولة والمجتمع ، قلعة الصمود والتحدي ، لما يمتلكه من مقومات النهضة الحديثة والقدرة على رد كيد المعتدين وحماية الأمة وبكل اقتدار ، بفعل جيش كان درعاً حصيناً للعراق وعوناً وسنداً لكل العرب خاصة ضد العدو الصهيوني والأطماع الفارسية والغربية عامة ، باقتصاد جرى بناؤه وبقواعد راسخة تقوده ثورة عملاقة نحو التطور والأخد بأسباب الحضور العالمي ، والتي قادت وبفعل تواطؤ من تواطأ مع ناهبي ثروات الأمة وصانعي نكباتها ، والساعين دون لم شتاتها ، فشغلته بحروب أشعلوها من عام 1980 وحتى احتلاله في العام 2003 .
فالثورة البيضاء التي قادها رجال البعث بشقيه السياسي والعسكري من 17-30 تموز 1968 ، كانت ثورة التحديات التاريخية والسيادة الوطنية الكاملة قادت العراق نحو التحرر والانطلاق نحو تحقيق الطموح والأهداف باعتمادها برامج ذات مرتكزات وطنية وقومية تنشد بناء دولة الحضارة الحديثة والقوية القادرة على حماية المجتمع ، فتمكنت من تحطيم كل قيود ومعوقات كانت تفرض على العراق لاستنزاف قدراته الاقتصادية والبشرية ..فتمكنت من بناء الإنسان ووضع أسس ثابتة تقود لمنظومة سياسية مرتبطة بالمجتمع أولوياتها المعتمدة كانت البدء بتصحيح مسيرة المجتمع العراقي والقضاء على كل المشاكل الداخلية التي كانت تعصف به جراء مؤامرات متدحرجة منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة ، فكان التوجه نحو بناء مجتمع سليم وتأميم الاقتصاد العراقي ما فيه النفط على وجه الخصوص ، لخلق عراق مستقل سياسياً ومسيطر اقتصادياً على ثرواته معتمداً على ذاته وطاقات وقدرات شعبه، فمعركة تأميم النفط العراقي التي قادتها الثورة باقتدار ، كانت التحدي الأكبر لها ، ونجحت في مواجهة التحديات وأممت النفط ، ما ترتب عليه حقد واشنطن والعالم الغربي الاستعماري وشركاته النفطية الاحتكارية التي ما فتئت التآمر على العراق من خلال إيران وأعوانها في المنطقة ، ومن يغردون من العراقيين خارج السرب العراقي وتحين الفرص لتنفيذ أجنداتها الهادمة للدولة العراقية والداعمة لأجندات صهيو فارسية أمريكية غربية .
فأشغلوا العراق بدعم ما أطلقوا عليها الثورة الإسلامية في إيران ،
من هنا بدأت معركة الغرب مع العراق التي ترجمت كما أسلفت باحتلال العراق ، لأسباب تاريخية مرتبطة بالمخطط الصهيو -فارسي ، الذي يساهم في تنفيذه دول الحلف الاستعماري لإعادة العراق إلى الصفر حضارياً ، وليمزق كما هو مخطط له خدمة للكيان العبري الصهيوني ى، وبالتعاون لوجستياً ومجتمعياً من خلال أولاً بناء الجسور ما بين الكيان العبري في فلسطين والعناصر المتمردة في شمال العراق ، ما منحها لعب دور مهم في العراق ، وثانياً دعم الأطماع الفارسية المجوسية لاستعادة امبراطورية فارس من خلال دولة إسلامية تقود ثورة تخالف ما جاء به رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه أفضل السلام والتسليم مستغلة الدخول عبر باب ما يسمى حماية الطائفة الشيعية بالعالم وبالتعاون مع التحالف الاستعماري الذي يكن الكراهية للعرب والمسلمين ويخطط وصولاً لتحقيق الهدف المنشود لتدمير العراق بإثارة المشاكل الدينية التي لا تمت للدين أو المجتمع بصلة..
وثالثاً وهو الأهم خطر العراق الجلي ضد الأطماع الصهيونية وإسقاط نظرية أمن الكيان الصهيوني من خلال اشتراك الجيش العراقي الباسل في أغلب المعارك العربية المصيرية ضد الكيان الصهيوني قاد لأوليات إلغائه وبناء جيش هزيل مكون من عصابات وميلشيات طائفية وعنصرية وعرقية وعشائرية ومسيطر عليه من قبل إيران وأمريكا والعدو الصهيوني.
فإعلان تأميم مصادر الطاقة في العراق وعلى رأسها النفط وشركاته الاحتكارية عام 1975 أثار حفيظة الغربيين والأمريكان منهم خاصة ، فكان بداية التآمر الغربي بقيادة واشطن على العراق الداعم لتعطيل عجلة الثورة والتقدم بتحريك التمرد الكردي أولاً والذي تمكنت الثورة من استيعابه وحل مشكلته نهائياً بمنح كردستان العراق حكماً ذاتياً ينظمه قانون خاص بذلك .
تبعه دعم غربي لتدخل إيراني بالشأن العراقي من قبل ما أطلق عليها الثورة الإسلامية في إيران والتي أخذت تدعم حزب الدعوة الموالي لها والذي بدأ بنتنفيذ تفجيرات تمس أمن الوطن العراقي ما فجر حرباً اشتعل إوارها على مدى ثماني سنوات انتهت بنصر العراق ، أعقبها تفجر الوضع في الخليج ” مسألة الكويت ” والتي قادت لحربين انتهت باحتلال العراق وحل جيشه وتسليمه لإيران لتعيث به فساداً وإفساداً .
لقد كان مشروع الثورة منذ البداية مقاومة كل المعيقات التي وراءها الأطماع الصهيو غربية فارسية ، من أجل حماية مشروع الثورة الوطني السياسي والاقتصادي ، وتفجرت بعد الاحتلال مباشرة شرارة المقاومة العراقية العملاقة بقيادة الرئيس الشهيد صدام حسين ورفاق دربه في القيادة حتى تم أسره واغتياله ، ليستلم راية الجهاد من بعده الرفيق المجاهد عزت ابراهيم الدوري والتي ما زالت رايتها عالية ، وصولاً لتحقيق برنامجها المتكامل للدفاع عن العراق وعن مشروع الثورة التحرري والتي أسس دعائمها حزب البعث العربي الاشتراكي بالاعتماد على وحدة الشعب العراقي ونضال الجماهير العراقية والتي ما زالت منذ تشرين الأول 2018 تخوض معركتها السلمية لإسقاط النهج التآمري التصفوي الذي تقوده إيران من خلال ميلشياتها الملطخة أيديها بالدم العراقي وبنهب ثرواته .
فمنذ الاحتلال الفارسي الأنجلو أمريكي لأرض العراق ، وشعبه يعاني مما حاق به من قهر وضيم تنوء عن حمله الجبال ، حصلت جراءها اختلالات كبيرة ، فلم تعد هناك دولة قائمة ، بل هناك عصائب أفرزها الاحتلال الفارسي والأمريكي ، لتبقيه في حالة ضياع شامل ، تنال منه في مختلف مناحي الحياة ، تزهق فيه الأرواح البريئة المطالبة بحرية العراق والرافضة لوجود المحتلين والفاسدين تقودها إيران وترى فيها الإدارة الأمريكية الخادم الأمين لبلقنة الصراع حفظاً لمصالحها والعدو الصهيوني ومراميها من تدمير العراق وخرابه ، للعودة به إلى عالم الجهل والجهالة ، تسيره نحو حتفه المنشود بالطائفية الممزقة للحمته العراقية والبنية العراقية الواحدة، لتحوله بعد أن كان منارة للعلم والرخاء الاقتصادي وواحة من الأمن والأمان والاستقرار في ظل حكم وطني بدفع إيراني إلى مسرح وساحة واسعة للفوضى والصراع والمحاصصة الطائفية المقيتة والفقر ، فحولته لأقاليم تتنازع نهب خيراته بموجب دستور اعتمده اليهودي برايمر ، بلا بنية تحتية ولا جيش ولا قوى أمنية وطنية ، وبلا مقومات اقتصادية وبلا بنى تحتية بعد أن تسلمته عصابة يهمها رضا المحتل ونهب ثرواته لصالح أمريكا وإيران وعلاقمة العملية السياسية وفق ما أرادها المحتل الأمريكي وتابعه الإيراني , فما يزيد عن نصف سكانه الآن تحت خط الفقر المدقع ، ومليون وربع المليون عراقي معوق بفعل القمع والإرهاب والتنكيل الفارسي الأمريكي وأعوانهما من خلال مليشيات ممولة من الجانبين الأيراني والأمريكي ، ولم يسلم منها أي مكون عراقي سواء كان سنياً ، شيعياً ، عربياً أم كردياً ، تركمانياً أم آيزيدياً أو من أي فئة عراقية أخرى تنتمي للعراق.. يضاف لها ما يربو عن المليوني أرملة و5 ملايين يتيم ، ومئات الآلاف من المفقودين وملايين اللاجئين في ربوع الوطن و خارجه ، هذا غير استشراء الأمية في ربوعه التي كانت تشكل صفراً قبل الغزو والاحتلال فالتحق بركابها أي الأمية ما يربو عن السبعة ملايين عراقي والعدد في تزايد ، وانتشار البطالة في صفوف شبابه ، والتوسع في عدد المقابر بعدد لا يقل عن 300 مقبرة إضافية جرى إنشاؤها في عموم أنحاء العراق خلال السنوات الـ17 المنصرمة.
وما يجري ومنذ اطلاق ثورة تشرين السلمية التحريرية من اغتيالات منتظمة ومنظمة في مختلف المدن العراقية ينفذها ذيول الفساد والمحاصصة ومليشياتهم بهدف ترهيب وبتعاون أو بغض طرف القوى الأمنية عما يجري ، في ظل صمت دولي رهيب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تولي الأمر اهتمامها بهدف إسكات كل صوت حر يطالب بإنهاء العملية السياسية التي رعتها وما زالت منذ احتلال العراق في العام 2003 لأنها ترى أن العودة بالعراق إلى ما كان عليه قبل الاحتلال من تلاحم وطني رافض للتبعية ، يعني كنسه وكنس إيران وذيولهما من العراق العروبي والأبي .