عنود العفيف يكتب : المعسكرات الرقمية
عنود العفيف – لم يتوانى الأردن يوماً عن دعم الشباب وتمكينهم في المجتمع، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ومنذ تسلمه سلطاته الدستورية كان وما زال يؤكد على ضرورة تمكين الشباب، ودعم أفكارهم الإبداعية ، ومشاريعهم الريادية من قبل المؤسسات التي تعنى بالشباب، كوزراة الشباب، وهيئة شباب كلنا الأردن، والمجلس الأعلى للشباب سابقاً الذي أنبثق عنه مراكز شبابية عدة في جميع محافظات المملكة .
إن وما يؤكد على حرص أردننا الغالي على تنمية القطاع الشبابي، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم بسبب جائحة كورونا، هو الاستمرار في ملء اوقات الشباب بالتوعية والتثقيف خلال فترة الإجازات المدرسية، وعدم تركهم ضحية لأوقات الفراغ، المعسكرات الرقمية فكرة فريدة ، تتناسب مع جيل الانترنت، وتتماشى مع الاجراءات الاحترازية كالتباعد الاجتماعي، إلا إنها تفتقد إلى النشاط الحركي، والبدني (كالإنزال الجبلي ، ولعبة شد الحبل، والمسيرالليلي، والرماية، ورياضات مختلفة أخرى……)، حيث أن غياب الأنشطة الميدانية المهمة لعمر الشباب المشاركين والمتراوحة أعمارهم بين 12 إلى 30 سنة ،سيفقدهم مهارات أساسية تضيف المزيد من المتعة والترفيه المطلوبين.
سأتحدث عن تجربة عشتها ومازالت تفاصيلها حيةً في الذاكرة ، وقد قطفت ثمارها في حياتي العملية والاجتماعية ، بدأت منذ أن انتسبت إلى إحدى المراكز الشبابية التابعة إلى المجلس الأعلى للشباب آنذاك، تجربةٍ فريدة من نوعها أنقل بعض تفاصيلها إلى القراء الأعزاء، ليعلموا أن تمكين الشباب الأردني أمراً حقيقياً وواقعاً عشناها، ولمسناه على أرض الواقع.
إن الانتساب إلى المراكز الشبابية كان وما زال متاحاً لجميع أبناء وبنات الوطن، ودون أية رسوم مترتبة عليهم، حيث كان يخضع جميع الأعضاء إلى دوراتٍ ومحاضرات وندوات تهدف إلى التوعية في مجالات عدة: ( كخطر المخدرات ، والتدخين، وحوادث السير، والاسعافات الأولية…..إلخ) ، ندوات متخصصة عن: ( حقوق المرأة، حقوق الطفل، التمكين السياسي والديمقراطي…. إلخ )، نشاطات كثيرة ومتنوعة غنية بالمعارف تزرع الفكر القويم ، وتمكن الشباب من معرفة طريق الصواب، وتساعدهم على تخطي مراحل مهمة دون أية عقبات ، وتحميهم من مخاطر عدة قد تواجههم في حياتهم ، علماً بأن هذه الندوات كانت تُدار من قبل متخصصين كلاً حسب مجاله.
لم تكن الندوات والمحاضرات تقليدية ومن المتعارف عليها للجميع ،متحدث وحضوروعرض تقديمي للمحتوى تنتهي بالإسئلة والرد عليها من قبل المحاضر، وإنما كانت محاضرات عميقة تتم بواسطة الاتصال الوجاهي بين المشاركين وأناس عاشوا تجاربٍ حقيقة مع التعاطي والإدمان مثلاً، يعرضون تجاربهم المريرة مع الإدمان، وكيفية تلقى العلاج لاحقاُ ، ويقدمون نصائحهم للشباب ، ويتبادلون معهم الحديث ويجيبون على أسئلتهم ، أليس هذا من شأنه الحفاظ على الشباب الأردني ، وإخراج جيل متسلح بالمعرفة والمهارات اللازمة،بما يمكنه من مجابهة الحياة بكل تحدٍ وقوة.
دعونا ننتقل إلى نشاط آخر أكثر متعة وتشويقاً، معسكرات الحسين للعمل والبناء ، أذكر أني قد شاركت بحوالي 30 معسكراً شبابياً أو أكثر، ( معسكرات عيون الأردن، معسكرات البتراء والعقبة، مخيمات كشفية في جرش وعجلون وضانا ، والسرو). لقد جبنا المملكة شمالاً ووسطاً وجنوباً في تلك الفترة، لم تكن المعسكرات للهو واللعب ، فالانضباط والالتزام بالمواعيد، والمنافسة الإيجابية، وتنمية المهارات الحياتية ، والعصف الذهني، والتفكير الإبداعي، وتعميق معاني الولاء والانتماء للوطن من أساسيات فعاليات برامج المعسكرات.
فمنذ أن نستيقظ الساعة الخامسة صباحاً كنا نقوم بالترتيب والتزيين للخيم أو الغرف، ننتظر حضور القائدات وتقييمهم لوضع العلامات ، ومن ثم نصطف جميعاً لرفع العلم الأردني ، وبعد الانتهاء ننطلق لآداء الفعاليات المختلفة ( تسلق الجبال، الإنزال ، تخطي الحبال، الاستماع إلى محاضرات تثقيفية في ربوع الطبيعة، المسير الليلي يصاحبه هتفافات جميلة عن الوطن) ….. والعديد من الفعاليات التتي تسهم في صقل شخصية الشباب، وتنمي لديهم المعرفة، وتسلحهم ببعض المهارات الحياتية المطلوبة .
وعليه فإن فالمرحلة المقبلة تتطلب الدمج بين المعسكرات الميدانية والمعسكرات الرقمية ، على أن تقام بعض الفعاليات التي تستهدف تنمية عقول الشباب كالمحاضرات والندوات عبر طريق التطبيقات الرقمية المخصصة لهذه الغاية، وإقامة الفعاليات والأنشطة الميدانية والتي تتطلب جهوداً بدنية كما كانت عليه في السابق ،وذلك لأهمية النشاط البدني في دعم الصحة الجسدية والنفسية للشباب.
إن وبالرغم من غياب الأنشطة الميدانية في معسكرات الحسين للعمل والبناء الرقمية 2020، إلا أننا لا ننكر بأنها تجربة متميزة ، أتاحت للاًلاًف من الشباب الأردني فرصة المشاركة في المعسكرات الافتراضية المتنوعة، وعززت فرص الالتقاء الالكتروني لديهم، والتعليم الذاتي عن بعد، وعلى الإعلام الأردني بذل جهوداً متميزة لإبراز مدى نجاح هذه التجربة الفريدة من نوعها ،والحديث بشكل مباشر مع المشاركين لعرض تجاربهم الافتراضية على أرض الواقع.