انتفاضة تشرين اللبنانية السلمية الشبابية .. ستخرج من النفق المظلم وتنتصر
* عبدالحميد الهمشري
في الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة الشعبية في لبنان الملتهب ، والتي ابتدأت في السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي ، تعود أسبابها للوضع الاقتصادي الكارثي الذي يئن تحت وطأته لبنان ، جراء صراعات وتصدعات في العلاقات بين مختلف أفرقة طوائفه السياسية من موارنة ، سنة ، شيعة ودروز . زاد الطين بلة انتشار وباء الكورونا المستجد في مختلف أرجائه ، لكن ما ميزها إلى جانب سلميتها ، رفضها للنهج الطائفي ما منحها القدرة على الاستمرار لانضمام فئات واسعة من الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود وفقراء الأرياف والمدن التي التفت حول العلم اللبناني حاملة طموحات وآمال في التغيير الجذري بالإطاحة بطبقة الفساد وواقع حال بلد في حال إفلاس .. هذه الانتفاضة الشبابية العملاقة ربما استفادت من انتفاضات سابقة كادت أن تغرق لبنان بفوضى عارمة تنهي وجودها كدولة ، لكن يبقى أمر تأثيرها مرهون بقدرة الشباب اللبناني المنتفض على تنظيم نفسه وفرز قيادات تتحدث باسمه وتملك القدرة على تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية على غير ما انبثق من تفاهمات الطائف التي أوصلت البلاد الى الحال الذي تعاني منه ، حيث انطلقت الأولى مع انطلاقة الربيع العربي في العام 2011 والتي تمثلت بحراكات احتجاجية شعبية طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية لكنها سرعان ما خبت جذوتها وانطفأت نارها تخوفاً من حدوث انقسام طائفي يعيد شبح الحرب الأهلية من جديد ، والثانية اشتعلت في آب 2015 على شكل احتجاجات كان وراءها تراكم النفايات غير المسبوق في الشوارع دفع اللبنانيين لاحتجاجات غاضبة واسعة النطاق محملين الحكومة أسباب الفشل في منع حصول ذلك وبالمسؤولية عن تردي الأوضاع جراء حال الفساد والإفساد المستشري في جسد الدولة ، وبعدها في 19 مارس/آذار 2017 حين انطلقت احتجاجات الضرائب تنديداً بإقرار الحكومة زيادة ضريبية لتمويل رواتب العاملين بالقطاع العام، وفي العام ذاته وبعد 6 أشهر فقط من الاحتجاجات السابقة نفذ موظفو القطاع العام ومعلمو المدارس الرسمية إضراباً للمطالبة بإقرار النظام الجديد للرتب والرواتب، في حين انطلقت حراكات احتجاجية في أبريل/نيسان المنصرم من قبل العسكريين المتقاعدين، رفضاً للمساس بمكتسباتهم وحقوقهم التقاعدية في مشروع موازنة الدولة لعام 2019 وحال لبنان هذا تتشارك معه فيه بلدان عربية أخرى تصارع الفقر والجوع والمرض وةالعجز في ميزان مدفوعاتها .
الانتفاضة الحالية أو كما يحلو للبعض تسميتها (انتفاضة الواتس أب) انطلقت منذ السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2019 هي حالة من الحراك الشعبي طال مختلف طوائفه السنية والشيعية والمسيحية ، وقد انطلق هذا الحراك إثر إعلان الحكومة هناك عن ضريبة على المكالمات الصوتية بواسطة تطبيقات الإنترنت (الواتسأب) بمعدل ستة دولارات شهرياً، ضمن مجموعة من الإجراءات التقشفية الهادفة إلى التخفيف من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد ، والتي ترهن وطنهم للخارج من أجل الحفاظ على التوازنات السياسية الداخلية، وهو ما أسهم في تراكم الإشكاليات والقضايا وتعقدها بمرور الوقت وتزامنه مع الاحتجاجات في العراق الذي يعاني شبابه من الفقر والارتهان للخارج الفارسي والصهيو أمريكي.
ويمكن العودة بأسباب الحراك الشعبي القائم منذ 17 تشرين الأول 2019 لثلاثة أسباب أبرزها يرتبط بالجانب الاقتصادي والآخر بالاستقطاب السياسي والأخير التأثر بسبب قربه الجغرافي من مناطق الاضطرابات الإقليمية في المنطقة، وهو ما أدى إلى إغلاق المبادلات التجارية مع دول الجيران العربية وما وراءها خاصة الخليجية منها ، ما تسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي في البلاد وانكشاف المشاكل البنيوية في اقتصاد البلد وسياساته المالية والعجز عن توفير الخدمات الرئيسة، مثل الكهرباء والمياه النظيفة ومنع التلوث ووسائل النقل العام وجمع القمامة وفرزها، ارتفع سقف مطالب الحراك إلى تغيير الطبقة السياسية بمنظوماتها نتيجة لفشلها.
ففي لبنان هناك أحداث وصراعات حول من يمسك بزمام الأمور في المنطقة ، فما يجري فيه منذ الاستقلال من تدخلات وتداخلات لم يكن في يوم من الأيام حالة داخلية فقط ، بل أحداث يجري ترتيبها لتكون في صالح خدمة أجندات دولية وإقليمية ، وهذا ليس بالجديد حيث كانت الأحداث التي انفجرت عام 1958 التي لولا المد الثوري العروبي في المنطقة آنذاك لتحول لبنان لمحمية أو قاعدة صهيو أمريكية منذ ذلك الحين ، فما تصنعه أمريكا وحراك الرئيس الفرتسي ماكرون في لبنان لا يهدف إلى إنقاذ لبنان بل تمكين العدو الصهيو في الساحة اللبنانية ليبقى أولاً في المنطقة وقبل الجميع ، ولا أحد ينكر من الفرقاء المتصارعين في الساحة اللبنانية من أن ما جرى ويجري في لبنان من أحداث هي ذات بعد اقتصادي وسياسي واجتماعي ضاغط لصالح إثبات عجز الإدارة الحكومية اللبنانية في ظل الفساد المستشري في جنباتها شأن الكثير من دول المنطقة عن تسيير شوؤن الدولة دون الدعم الخارجي الذي ثمنه بطبيعة الحال يمس استقلال الدولة ، لهذا هناك محاولات لاستثمار للحراك الشعبي لأغراض سياسية لمنع انتفاضة الشباب اللبناني من تحقيق الأهداف المرجوة من ورائها في ظل افتقاد قيادة شبابية واعية قادرة على ترجمة مطالب الانتفاضة إلى حقيقة على أرض الواقع ، فالاستفادة مما يجري أمريكياً وفرنسياً وإيرانياً وفوى عربية أخرى في لبنان ما هو إلا محاولات جادة للإمساك بالساحة اللبنانية حتى لا تعكر صفو ما يجري من ترتيبات لإنجاح مسار صفقة ترامب التصفوية للقضية الفلسطينية وما تنتجه هذه الصفقة من سوق رائجة لتطبيع النظام الرسمي العربي مع العدو الصهيوني ، والتي سيسفر عنها تغيير هويات المنطقة وتفكيك روابطها القومية لصالح الشرق الأوسط الجديد الذي سيكون فيه الكيان الصهيوني هو المهيمن على مفاصله من ألفه إلى يائه ليخدم ذلك تكريس دولة القطب الواحد في الهيمنة على القرار الدولي، بعبارة أخرى ينظرون إلى لبنان على أنها الحلقة الضعيفة التي يمكن من خلالها نسف كل الترتيبات الصهيو غربية بالنسبة للتحركات الأمريكية الداعمة للتطرف الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية مثلما يعتبرون الوجود السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة أنه ما دام هذا الوجود قائماً فالفشل للمشروع الصهيوني سيبقى قائماً ، لذلك تسعى أمريكا وذيولها في المنطقة على كبح جماح الحراكات الشبابية وطمسها ومنع القائمين عليها من تحقيق طموحات الجماهير العربية من نيل حريتها والعيش بكرامة لصالح ترتيباتها التي تخدم مشاريعها في الخيمنة على المنطقة من خلال العدو الصهيوني .
وقد بان للقاصي والداني أن القوى السياسية في لبنان باتت عاجزة عن الانفكاك أو منع التأثيرات الغربية في مسارات تدخلاتها لغير صالح خيارات لبنان الاساسية فالفرنسيون والأمريكان متفقون على أن الغاية الأساسية من تحركهما هو حماية الكيان الصهيوني ومد نفوذه الأمني والاقتصادي للضغط على لبنان لترسيم حدوده البرية والبحرية لصالح العدو الصهيوني ليكون لبنان الرسمي شاهداً ومثبتاً للحق اليهودي في سرقة ثروات لبنان النفطية والغازية من خلال هذا الترسيم وسيجري لاحقاً ترسيمات أخرى قد تطال السواحل الغربية المجاورة في البخر المتوسط غير لبنان والبحر الأحمر ليكون العدو الصهيوني الشريك الأقوى في إدارة هذه الثروات.
هناك من يعتقد أو يظن أن هناك عداء بين العدو الصهيو أمريكي والايراني في لبنان لبنان والمنطقة فما بينهما صراع على اثتسام مناطق النفوذ في المنطقة العربية وإلا ماذا يعني تصريح أحدهم وفق ما نُقل بأن التطبيع مع العدو الصهيوني سيعلن من النجف ؟ ؟!!
وفي الختام يمكنني القول وبثبات أن انتفاضات الشباب العربي السلمية البناءة في لبنان والعراق .. ستخرج من النفق المظلم وتنتصر.