الاستراتيجيات الصهيو أمريكية لتهويد الأرض الفلسطينية
* عبدالحميد الهمشري
هناك حقيقة لا تغطى بغربال وهي أن الظلم مرتعه وخيم والعدل دون امتلاك إرادة صلبة وندية وقوة من شبه المستحيل ، فالحديث عن العدالة والقيم وقوانين دولية ترعى حقوق البشر في الحياة الكريمة كلها تبقى نظريات وحبر على ورق ما لم تكن هناك قوة ترفدها وتسندها ، فما يجري منذ تشكيل عصبة الأمم ومن بعدها هيئة الأمم تنفذها إرادة دول منتصرة بعد حربين عالميتين داميتين حصدت أرواح الملايين من البشر ، تقاسمت النفوذ فيما بينها حتى سطع نجم الولايات المتحدة الأمريكية التي حسمت أمر هاتين الحربين لصالحها وحلفائها الأوروبيين ، ومنذ ذلك الحين بات ميزان العدالة الدولية مائلاً ويكيل بمكاييل متعددة ، وأصبح ما يصدر من قرارات دولية عنها لصالح طرف ما يبقى أسير الأدراج التي لا ترى النور ، فتبقى مجرد قرارات لا تسمن ولا تغني من جوع كونها لا تتماهى مع مصالح دول تعتبر نفسها عظمى ، والدليل على ذلك ما يصدر عن هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من قرارات حول القضايا العربية والقضية الفلسطينية منها على وجه الخصوص ، لأنه في ظل الهيمنة الغربية والأمريكية منها خاصة فإن الفلسط\ينيين يبقون لا بواكي ولا سند لهم سوى دغدغة العواطف لا أكثر ، فما ينفذ من قرارات تصدر عنها لصالحهم يجري تجييرها لصالح العدو الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية ومشرد شعبها ، بدعم الكبار ومصبوغاً بقرارات أممية ، ما يشير إلى أن هذه الهيئة الدولية ومنذ نشوئها ومن قبلها عصبة الأمم تخضع كلياً لبلد المنشأ واشنطن التي قراراتها وحدها تمثل الشرعية الدولية ، ما أخضعها منذ نشوئها للنفوذ الصهيوني كونها أي واشنطن حاضنة للصهيونية وهادرة للحق الفلسطيني لصالح اليهود وراعية للإرهاب الدولي الذي يسيء لكل ما هو عربي ومسلم ليخدم أمن واستقرار ونفوذ الدولة العبرية وسطوتها ، فهذه الهيئة الدولية بفعل سطوة البيت الأبيض عليها لا تتعرض للدولة العبرية بسوء جراء رفضها تنفيذ كل ما يصدر عنها لصالح الشعب العربي الفلسطيني أو للقضايا التي تصب في صالح الحقوق العربية من قرارات دولية .. فهي الدولة الوحيدة في تاريخ المؤسسات الدولية التي أنشئت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس من مجلس أمنها أو بقرار واقع تاريخي وحق وعدالة ، كما أنها الوحيدة في العالم التي تتمتع بأكبر قدر من قرارات الفيتو ” النقض” لتعطيل الإجراءات الدولية المنوي إصدارها في غير ما يخدم أهداف وجودها وأجنداتها ، حيث استخدمته واشنطن 44 مرة لصالحها منذ نشوئها وحتى يوليو 2019 ، وبمعنى آخر أن هذه الهيئة الدولية كما سابقتها عصبة الأمم أقيمتا أساساً لتكونا عوناً لليهود لسلب وسرقة حقوق الشعب العربي الفلسطيني وتمددها مستقبلاً على حساب الأرض العربية وفق ما هو منصوص على كنيستها بيت تشريع قوانينها بهذا الشأن ، وقمع كل دولة تتعرض أو تحاول التعرض أو تشكل خطراً وجودياً مستقبلياً على أمن هذه الدولة التي ولدت سفاحاً وبلا سند قانوني.
لدرجة أن تجيير الرأي العالمي بات يصب في صالح هذه المعادلة ، ليكون هذا الرأي العصا السحرية التي لا يمكن البلوغ إليها عربياً إلا بالخضوع والخنوع والاستسلام لمصالح الدول الكبرى ، وما تريده واشنطن بالذات من كل العرب رفع رايات الاستسلام لهذه الدولة العبرية ، الوحيدة في المنطقة المسموح لها امتلاك أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيميائية وجرثومية وذات قوة تفجيرية صاعقة ، دون رقيب أو حسيب ، تصول وتجول في المنطقة كما يحلو لها ويجري كسر عنف أي نظام أو دولة يحاول العبث بميزان القوى في غير صالح هذه الدولة العبرية التي تمثل مصالحها مصالح واشنطن وحلفائها كما حصل في مصر عبدالناصر وعراق الشهيد صدام حسين.
فالقاصي والداني يعلم أن القضية الفلسطينية بدأ التداول بشأنها عربياً وإسلامياً وعالمياً منذ تأسست عصبة الأمم المتحدة التي أصدرت صكاً بتاريخ السادس من يوليو 1921م يمنح بريطانيا حق فرض الانتداب على فلسطين أي وهب الولاية الدولية للحكومة البريطانية عليها لإقامة وطن قومي لليهود في قلب الوطن العربي فلسطين وأعطاها كافة الصلاحيات لارتكاب كافة الجرائم الأخلاقية والإنسانية والحقوقية لإيجاد هذا الوطن اليهودي على الأرض الفلسطينية العربية الإسلامية وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني وبموجب ذلك نالت الحكومة البريطانية شرعية حكمها لأرض فلسطين ، و بقي العالم يجهل حقيقة ما وراء هذا الصك وكيف صدر عن عصبة منحت صاحبه ” بريطانيا ” حق نهب الأرض من عرب فلسطين ومنحها لليهود وعلى عينك يا أمم .
ويجدر الإشارة هنا إلى أنه و في خضم الجرائم الدولية المرتكبة بحق شعب كان يعيش على ثراه الوطني بأمن وسلام جاءت قوى غريبة وغيرت حاله بسرقة أرضه وتهديد أمنه واستقراره بإسهامها في تشريده وصناعة نكبته لصالح مستوطن قادم من مختلف أصقاع المعمورة يحمل أفراده جنسيات مختلف الدول الممثلة في هيئته الأممية ، بموجب صك صادر عن يهودي ” بلفور ” خادم الصهيونية كتب نصوصه من 28 مادة وفي كل مادة منها وردت كلمة يهود وفق رغبة الزعيمين اليهوديين ” روتشيلد ” و ” وايزمن ” ، والتي تتحدث عن ضرورة إقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين ، والتي لم يكن يقطن أرضها منهم سوى يهود غالبيتهم من اليهود الفارين من إسبانيا بعد سقوط الدولة العربية فيها والذين نسبتهم في ذلك الحين إلى نسبة السكان العرب الأصليين لم تكن تتجاوز الـ خمسة بالمائة ، ورغم ذلك يشار بموجبه في الصك إلى أصحاب البلاد الحقيقيين بعبارة (الطوائف الأخرى) ، مما شكل انحياز عصبة كانت صنيعة الحركة الصهيونية لترتكب جريمة زرع جسم غريب في جسد أمة وأرض شعب له تاريخه وحضارته .. فصك الانتداب صناعة يهودية اعتمدته عصبة دولية تهيمن عليها عصابة من النهابين الدوليين الصهاينة بعصبة أنشئت من بدايتها بإيحاء يهودي وجهد وعمل يهودي خالص وخلفتها بعد ذلك هيئة دولية صنيعة صهيونية ما أنشئت سوى لخدمة اليهود وأطماع الصهيونية الصليبية .
وهذا حصل وما زال في ظل عجز أو تعاجز عربي إسلامي عن فعل شيء للوقوف في وجه هذا التغول الصهيو أمريكي.. لدرجة أضحى الرأي العام العالمي أكذوبة بصناعة صهيو أمريكية يجري تأليبه ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين باستراتيجيات مبرمجة حيث تمكنت الصهيونية العالمية وحاضنيها في التحالف الغربي بقيادة واشنطن من فرض هذا الكيان ضمن هذه الاستراتيجيات التي هيمنت من خلالها على إرادة الشعوب المغلوب على أمرها والتي من أهمها استراتيجية الإلهاء التي تعتمد على تحويل الأنظار عن القضايا المهمة وإشغال الرأي العام بقضايا ثانوية لا قيمة لها تعتمد نظرية المؤامرة ، لغض طرف الشعوب عن القضايا المهمة والممارسات القمعية ضد أفرادها أو مؤسسات مجتمعها المدني ، فيشغلون المجتمع العربي بقضايا لا طائل من ورائها سوى غض الطرف عن المهم والأهم كفتاوى دينية مثيرة للجدل كإرضاع الكبير وجواز تدخين السجائر أثناء الصيام لإشغال الناس بقتن طائفية وعرقية لتمزيق النسيج الاجتماعي إلى غير ذلك من قضايا جدلية ، وهذا ما كان وما لا يزال ، استراتيجية خلق المشاكل وعرض الحلول ، وهذه الاستراتيجية تعتمد البحث عن عدو يجري تضخيمه كالإرهاب الذي هو في الأساس صنيعة صهيو أمريكية تمنح الحق لواشنطن وحلفائها بالتغول في مكافحة الإرهاب وبث حالة من الرعب لدى شعوب بعينها وتوجيه التهمة للإسلام بحضانته حتى يتيقنوا أن ما يمارس من تضييقات أمنية وما يجري من تحالفات عالمية لها ما يبررها ما أسهم في نشر فوضى في بلدان عربية وفي تقليص الحريات في مختلف أرجاء الوطن العربي ، استراتيجية التدرج في اتخاذ القرارات و التي تعتمد سياسة اتخاذ القرارات المطلوبة بالتدريج ودون إحداث بلبلة لدى الرأي العام وأوضح مثال على ذلك هو الانهيار التدريجي الاقتصادي الذي الذي أعقب الإعلان عن انتشار وباء الكورونا ما أدى لانكماش في الاقتصاد العالمي وترك حالة من الإرباك في السوق وأسهم في رفع نسبة البطالة وانخفاض النمو الاقتصادي في مختلف الدول ، فاستراتيجية التأجيل التي تعتمد سياسة إصدار قرارات توصف بأنها مؤلمة للوصول إلى الأمل في المستقبل كالإعلان عن مشاريع ليست ذات قيمة أو ربما وهمية ولكنها في ذات الوقت يوحى بأنها ضرورية مع اتهام معارضيها بالجهل والسذاجة أو الارتباط بأجندات خارجية ، واستراتيجية إيصال الشباب لدرجة الإحباط واليأس من تحقيق طموحاتهم لدفعهم للاستسلام للأمر الواقع والتفكير بالهجرة وترويج ذلك إعلامياً.وأخيراً استراتيجية ترسيخ حالة من الشعور بالذنب بإيهام المواطنين أن سبب تدهور البلد تظاهراتهم السلمية أو تسكعهم في الشوارع والمقاهي.
لكن للمقاومة والقوى القومية والوطنية رأي آخر وستبقى الطود الشامخ الذي سيسقط كل مخططات الأعداء وسيعيد الأمل والعز والرفعة لفلسطين ولكل قطر عربي في مختلف أرجاء وطننا العربي.
[email protected]