كورونا و تأثيرها السلبى على الصحة العقلية و الأنفعالية و غياب التواصل
منذ شهر آذار (مارس) الماضي والإجراءات الاحترازية التي تم تطبيقها بسبب جائحة “كورونا” تتوالى واحدة تلو الأخرى، وما تزال تخلف وراءها آثارا نفسية متعبة للأفراد، وتزداد يوما بعد آخر، لتؤثر على الحالة الانفعالية والصحة العقلية. ولعل من أكثر السلبيات التي خلفها الفيروس، الفقدان الحقيقي للتواصل الاجتماعي، بسبب فرض التباعد، الأمر الذي ترك وراءه الكثير من الآثار الاجتماعية.
اختصاصيون اعتبروا أن المجتمعات قائمة على العلاقات الاجتماعية، بالتالي فإن غيابها أثر وسيؤثر سلبا على الناس نفسيا؛ ليتسيد الخوف والقلق والتوتر والإحباط، سواء لدى الكبار أو الصغار الذين قيدت حريتهم بصورة كبيرة، خصوصا مع نظام التعلم عن بعد، وغيابهم عن البيئة المدرسية.
الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، يقول “إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يتفاعل مع المحيط، وهذا التفاعل هو الغذاء للجسد والروح، ومن دونه تفقد الحياة معناها، وتفقد اللحظات جمالها، كما تفقد الأيام إنجازاتها، وتفقد السنين نتائجها ومعانيها”.
ويضيف “لذلك فإن الحياة التي لا يتفاعل فيها الإنسان، فإنه لا يختبر تطورات تعد ركيزة أساسية في بناء هذا المجتمع، من هنا فإن عجز الإنسان ومنعه من التفاعل يعني وكأنه مقيد الحرية داخل أسوار السجون”.
ويشير مطارنة الى أنه ومنذ بداية كورونا، كانت هنالك آثار كبيرة، خصوصا مع الحظر وتقييد الحرية، ولكن مع ازدياد الحالات زاد الخوف أكثر، تحديدا مع اللجوء للحظر الشامل وتضرر الأعمال.
هذه الأمور كلها أوجدت حالة من الضغط والألم النفسي، خصوصا عند الأطفال الذين يعدون طوال الأسبوع منشغلين بالمتابعة والدراسة عن بعد، فلا يخرجون من المنزل، حتى الأنشطة التي كانت تدخل الفرح لقلوبهم بممارستها في المدرسة، ويفرغون من خلالها طاقاتهم حرموا منها، فنهاية الأسبوع كانت الفرصة الوحيدة لتعويض كل هذه الضغوطات في الحركة واللعب في الأماكن المفتوحة، ومن ثم يعودون الى الدراسة بنفسية جديدة، وفق مطارنة.
ويؤكد “هذا كله يشكل حالة من القلق والتوتر والضغط النفسي والإحباط، ويشعر أن الطاقة المحيطة به سلبية من النواحي كافة”، معتبرا أن الأضرار الناتجة عن الحظر الشامل وقعت على الفرد الذي بات يفتقد الحماس والقدرة على التمتع بتفاصيل كثيرة.
وكانت دراسة أشارت إلى أن الانعزال في المنزل، وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة للوقاية من الجائحة إلا أن لها آثارا سلبية، فقد أفاد جوشوا مورجانشتاين، أستاذ الطب النفسي الأميركي، بأن الافتقار إلى التواصل الاجتماعي يعد بالنسبة لبعض الأشخاص مثل الحرمان من الأكل، ويترك بصمة تعب قوية على نفسية الناس.
وأوضحت دراسة لباحثين في جامعة مانشستر أن للتباعد الاجتماعي والبقاء في عزلة تأثيرات كبيرة على الصحة العقلية والحالة الانفعالية للأشخاص، ومن الممكن أن يعاني هؤلاء من مشاعر متزايدة بالقلق والاكتئاب.
وتشير الدراسة إلى أن البقاء في المنزل، يعني بالنسبة للبعض، فقدان الدخل، ويعني بالنسبة للبعض الآخر فقدان روتين الحياة الذي تعودوا عليه، والتواصل الاجتماعي وجها لوجه، مؤكدة أن فقدان هذه الأمور له تأثير صادم على نفسية الناس، ومشاكل صحية ليست بسبب الوباء بل بتأثير منه.
كما أن الشعور بالوحدة لفترات طويلة قد يزيد من معدلات الوفاة، فيما تؤكد مراجع طبية أن القلق والعزلة يؤثران تأثيراً فيزيائياً على القوى العقلية.
في حين يرى الاختصاصي التربوي اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، أنه ومنذ بداية جائحة كورونا، فرضت آليات جديدة وتأثرت عملية التواصل الاجتماعي التي تتم بين أفراد المجتمع، وطبيعة المجتمع الأردني تقوم على أنماط من العلاقات تقوم على المصاهرة والصداقة والزمالة في العمل، وأهمها أنها تقوم على روابط الدم كونه مجتمعا عشائريا متماسكا.
الآن، مع هذه الظروف الجديدة، فرضت على المجتمع الأردني طريقة تواصل مختلفة، وفق جريبيع، فأصبحوا يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكبر.
ويضيف أن غيابنا عن بعضنا بعضا بسبب انتشار المرض والتباعد الاجتماعي فرض علينا سلوكيات جديدة، لكن قد تكون هذه أكبر تحديات الشارع الأردني بأن يسلك سلوكيات مختلفة عن عاداته وثقافته، خصوصا أن طبيعة المجتمع قائمة على التواصل والمجاملات والتجمعات الاجتماعية والتفاعل المجتمعي التي جميعها تشكل قيمة معنوية في المجتمع الأردني.
ويوضح “كل هذه التأثيرات التي فرضت على المجتمع الأردني ستترك آثارا نفسية عديدة على المجتمع تبقى مستقبلا، وقد تسهم في إضعاف العلاقات الاجتماعية، وابتعاد الناس عن بعضهم بعضا، وتشكيل حالة من الوحدة والقيم السلوكية والتباعدية، لكن تبقى قيم هذا المجتمع كلها موجودة، وذلك قد يكون سببا في أن جزءا من المجتمع ما يزال ينكر الجائحة، ويتعامل معها على أنها غير موجودة كونها أثرت على صميم قيمه وتفاعلاته وتعاملاته مع المجتمع”.
ويشير الى أن الجائحة تركت آثارها على المجتمع، وجزء كبير منهم تضاعف التوتر والحزن والقلق لديهم، وأحد الأسباب الرئيسية التي خلقت ثقافة الخوف إجراءات الحظر التي تمت ووصمة الرعب من المصابين، كلها خلقت ثقافة الرعب، ما جعل الناس يخفون مرضهم أحيانا.
ويشير جريبيع الى أن التواصل المباشر والوجاهي هو أفضل وأنجح طرق التواصل، وهو ما أثبتته الدراسات كافة دون استثناء، مع مراعاة كل الإجراءات الوقائية والاحترازية.