هآرتس تتساءل: هل يمهد فيروس “كورونا” لنهاية إسرائيل؟
هآرتس – بقلم: بني حيفتس “يشهد الإنسان لحظات تاريخية في حياته، أذكر جيداً زيارة الرئيس المصري إلى إسرائيل، والتوقيع على اتفاق أوسلو، والرئيس كلينتون وهو يذرف الدموع في احتفال التوقيع على اتفاق السلام مع الأردن، وأذكر قتل رابين، وإخلاء “غوش قطيف”، وأحداث الحادي عشر من أيلول. أحداث مهمة وتاريخ يتشكل.
اليوم نشهد حدثاً تاريخياً آخر: بداية نهاية المجتمع الإسرائيلي، وربما نهاية إسرائيل أيضاً. وباء كورونا الذي اخترق حياتنا ضبط إسرائيل وهي غير مستعدة، وفيها جهاز صحي مريض وحكومة فاشلة. ولكن الأهم من كل ذلك هو أن الوباء قد أظهر جميع أمراض المجتمع الإسرائيلي، كل ما تجاهلناه لعشرات السنين، أظهره لنا وباء كورونا حقيقة مؤلمة وأثبت أن المجتمع الإسرائيلي خليط من الجماعات التي لا تعمل كجسم واحد، وعلى الأغلب تعمل الواحدة ضد الأخرى. بالتالي، من المستحيل هزيمة الوباء، هذه وصفة مؤكدة للفشل.
تم تجاهل هذه القطاعية والقبلية خلال عشرات السنين، رغم أن الزعيم أو ذاك جلب بين حين وآخر هذه الأمور إلى السطح، سواء من خلال الرغبة في التوحد (الرئيس رؤوبين ريفلين) أو من خلال السعي للحصول على مكاسب سياسية. كمؤسسة، الدولة عرفت دائماً إقصاء هذه القبلية عن طريق وحدة مزيفة أمام عدو خارجي. في الفترات التي ظهر فيها عدو أمام الأنظار – حماس وسوريا وحزب الله – عرفت الدولة و”الشعب” كيفية التغلب على الشروخ الداخلية، ووضع ضمادة على ما يقسم، والتكتل والتوحد ضد العدو الخارجي. أما الانقسامات الداخلية في هذا الوضع فتنسى، ويتصرف المجتمع كمجتمع مستقر وقوي. ولكن للأسف، هذا التكتل سطحي – مجرد خداع.
يتكون المجتمع الإسرائيلي من مجموعات ضغط، لا يهمها سوى مصالحها. كل ذلك كشفه لنا وباء كورونا بصورة أشد. ففي مواجهة هذا الوباء لا يوجد عدو خارجي، وليس هناك من نكرهه أو من نوجه إليه نياشين بنادقنا ولا يوجد بنك أهداف، ولا اسم لامع لعملية عسكرية، ولا مكان نرسل إليه طيارينا الممتازين… لا يوجد هناك من نتكتل ضده. المعركة في البيت، في الداخل، في الشارع، في الحي وفي المدينة. في هذه المعركة يجب أن تتبدى روح المجتمع والتكتل الإنساني. لا يوجد في إسرائيل هذا أو ذاك، فكل واحد لبيته، وكل قطاع لنفسه، وكل قبيلة لمصالحها.
ليس الانقسام في المجتمع بالأمر الجديد، فهو نتيجة لسياسة موجهة دون الانتقاص من مسؤولية ضخمة للحكومة ومنتخبي الجمهور على طريقة التعامل مع المرض، ومسؤوليتهم عن خلق الاستقطاب والشرخ في المجتمع الإسرائيلي هي أكبر بأضعاف. القيادة الإسرائيلية، وبالأساس القيادة الحالية، تتبع استراتيجية “فرق تسد”. عرفت الحكومة بأنه كلما زادت الاستقطاب الداخلي فمن الأسهل تحريض الواحد على صديقه وتحقيق مكاسب سياسية. مع ذلك، كان واضحاً للحكومة بأنه على الرغم من ذلك إلا أننا سنعرف كيفية التوحد في أثناء الأزمة أمام العدو الخارجي المناوئ. ولكن العدو الآن غير مرئي، ولا يمكن مواجهته بالوسائل العادية. إنه عدو تقتضي محاربته التكتل الاجتماعي والمسؤولية الشخصية تجاه المجموع، والتنسيق بين الأجهزة، ورؤية المصير المشترك، وبالأساس التضامن مع والاهتمام بالآخر.
كل ذلك غير موجود. كل قطاع لنفسه وكل قطاع يركز على داخله.
من السهل اتهام الأصوليين بعدم الامتثال، وحتى الاستخفاف بلوائح الطوارئ. ولكن لماذا يعد هذا الأمر مفاجئاً؟ لأن هذا القطاع اعتاد بصورة متعمدة، خلال سنوات كثيرة، على التصرف كفقاعة في المجتمع الإسرائيلي دون التزام كامل بالمجموع. لقد خلق رؤساء الحكومات هذا الوضع على مر الأجيال، وسمحوا لهم بالتطور، بل وأيدوه لدوافع سياسية. الجمهور العربي في إسرائيل يعمل ما يراه مناسباً في بلداته وأعراسه، لكن لماذا نحتج على ذلك الآن؟ أليس انفصالهم من فعل أيدينا؟ منذ سبعين سنة ولا نقبلهم داخلنا، ولا نتعاون معهم. الأصوليون والعرب، حتى لو كانوا يعيشون في غيتوات، فإنهم في علاقة يومية مع المجتمع الإسرائيلي كله. لذلك، مشكلتهم مشكلتنا جميعاً. نتيجة السبعين سنة من الاستقطاب الذي خلقناه هي فوضى 2020.
خطة الإشارة الضوئية للبروفيسور روني غمزو مصيرها الفشل. لهذا، لم تطبّق؛ فالخطة تمس دمل المجتمع الإسرائيلي، وتصنف كل ما لم نرغب في تصنيفه وكل ما قمنا بكنسه تحت البساط: تركيزات المجموعات الفرعية في المجتمع والغيتوات في إسرائيل. خطة الإشارة الضوئية تضع مرآة غير لطيفة أمام المجتمع الإسرائيلي، ولهذا ستفشل. نحن بحاجة إلى خطة بسيطة فيها قاعدة موحدة للجميع، لكن لا يوجد “جميع” في دولة إسرائيل، بل يوجد “نحن” و”هم”. لذلك، مصيرنا هو الفشل في مكافحة كورونا. تحولت إسرائيل إلى دولة قطاعية لأحزاب قطاعية. وفيها القليل من الوسط والكثير من الأطراف. للأسف، نشهد حدثاً تاريخياً: تفكك المجتمع الإسرائيلي. وإذا لم نوقف هذا الآن فسيكون الوقت متأخراً جداً، وستتفكك الدولة. وإذا لم نصُغ قواعد ثقافية أساسية للمجتمع فسننهار. وإذا لم نحدد مفهوماً “إسرائيلياً” مرة أخرى فلن يكون لنا هدف أو مستقبل.