أزمة كورونا في الأردن .. أيهما يُغير بسرعة… النهج الاقتصادي أم الصحي؟
ترتفع الأصوات داخل غرفة خلية أومة كورونا باتجاه الدعوة مجدداً إلى قدر من الإغلاق وتمديد الحظر الشامل مقابل مواجهة تفشي فيروس كورونا الذي أصبح بمثابة التحدي المؤرق للمؤسسات الأردنية، خصوصاً بعدما وعد رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، علناً، بقرارات جريئة ومتوازنة تمنح صحة المواطن الأولوية لكنها لا تجازف بالاقتصاد.
لا يمكن عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد تحديداً معرفة الطريقة التي سيتفاهم بها أركان المطبخ الوزاري الحالي اقتصادياً على الأقل خلال المرحلة المقبلة.
في الاجتماعات الأولية التي يقودها الرجل الثاني في الحكومة نائب رئيس الوزراء الدكتور أمية طوقان، ثمة حديث كلاسيكي مكرر عن تحديات ينبغي أن تتحول إلى فرصة، وعن ضرورة تغيير «النهج» الاقتصادي، تفاعلاً مع المستجدات ليس الوبائية فقط. وعملياً، لا أحد يفكك مثل هذه العبارات، والجميع يسأل: ما الذي يعنيه التحدث عن نهج اقتصادي جديد في لغة مكررة عبر كل الحكومات؟
بكل حال، ليس مطلوباً من الوزير طوقان ما لا يعلم عنه، فوجوده على رأس الفريق الاقتصادي يهدف أصلاً إلى طمأنة القطاع المالي والنقدي وطمأنة القطاع الخاص، لكن الحديث يكثر في الحالة النخبوية عن تغيير النهج الاقتصادي دون تغييره فعلاً على أرض الواقع وعلى أساس شراكات حقيقية ومنتجة مع مؤسسات القطاع الأهلي والخاص.
وفي الوقت الذي يكثر فيه رموز الحكومة من التحدث عن خطط اقتصادية لا تنفذ في النتيجة، يكتشف القوم بأن التحدي الأخطر مرحلياً هو النهج الصحي وليس الاقتصادي فقط، فوزارة الصحة تتعرض لضغط عنيف على مؤسساتها، وصندوق النقد الدولي يصر من جانبه دوماً على أن مخصصات الرعاية الصحية في الميزانية الأردنية تتميز، مثل الإعفاءات الضريبية، بالسخاء المبالغ فيه.
يحذر التكنوقراط و البيروقراط من أبناء الدولة الأردنية من الاستسلام للنظريات المعلبة التي تتحدث عن سخاء في الرعاية الصحية، لأن البديل سيكون دوماً نهجاً صحياً جديداً عنوانه تفكيك رعاية الدولة في الواقع الصحي، وبالتالي زيادة العبء على المواطن.
يبرر ذلك الحيرة التي تلازم اليوم مسؤولي القطاع الصحي والقطاع الفايروسي، فأرقام الإصابات والوفيات تزيد بعد التفشي، والتحديات كبيرة، والمال قليل، وأطقم البيروقراط الصحي باتت تلاحظ، ثم تلت بعضها بعضاً تتبادل الاتهامات، والمفروض من وزير الصحة الجديد الهادئ والخبير والمتزن، الدكتور نذير عبيدات، أن يعمل بكفاءة عالية وسط تعقيدات تركة ثقيلة تركت له.
يكتشف الفرقاء اليوم بأن النهج الصحي الذي كانت تتحدث عنه الحكومة السابقة برئاسة الدكتور عمر الرزاز هو على الورق فقط وفي سياق التعبيرات اللفظية لوزير الصحة السابق الدكتور سعد جابر، وقد فضحت عملية تبادل اللوم بين أركان البيروقراط الصحي هذه المسألة.
ويسأل الجميع:.. ما الذي كانت تفعله وتقوله مصفوفات الرزاز وبروتوكولات جابر في الماضي القريب؟ طبعاً، لا توجد إجابة؛ لأنه وببساطة لا توجد عواقب للوعود اللفظية في عمق المؤسسة الأردنية البيروقراطية. فالطاقم الجديد في الوزارة يتحدث اليوم -بعد 8 أشهر من الاشتباك مع الفايروس كورونا ووصول الإصابات إلى أرقام مقلقة والوفيات إلى مستويات مرعبة للمجتمع- عن إقامة مستشفيات ميدانية وشراكات مع مستشفيات القطاع الخاص، وعن توسيع قدرات المشافي الاستيعابية، وعن تحديث في عمل لجان الاستقصاء الوبائي المرهقة جداً.
إذا كانت الحكومة الحالية و بعد 8 أشهر تقول بأنها وضعت خطة لكي تبدأ بذلك، فلا أحد يريد أن يسأل عن تعبيرات لفظية مماثلة أطلقها مسؤولون في الصحة وغيرها في الحكومة السابقة.
قد يندرج الأمر المتعلق بالنهج الصحي الغامض على ما يسمى بحزمة التزويد أو على تلك الأرقام التي انطوت على قدر من التضليل في ملف الأمن الغذائي، أو حتى على ملفات الزراعة والإنتاج الزراعي، حيث لا ضمانات من أي نوع تفيد بأن ما كانت تستهلكه الحكومة السابقة لأغراض الإعلام وجد طريقه للنفاذ في الواقع، كما يرجح -زراعياً على الأقل- الخبير المختص والمزارع كمال الساري.
ويعرف وزراء اليوم بأن زملاءهم في الأمس كانوا «لفظيين» أكثر من أي شيء آخر، ويعرف كبار المسؤولين وصغارهم بأن الشارع الأردني لم تعد تنطلي عليه حيلة الحديث الآن وبعد 8 أشهر وبصورة مكررة عن مستشفيات وخيم ميدانية لأغراض كورونا، وتوسيع قدرات الاستيعاب.. فكل تلك خطوات كان الرأي العام تحت انطباع أنها حصلت أصلاً أو تكاد تحصل؛ لأنها موجودة على الورق ونوقشت في غرف العمليات، لا بل تقرر بعضها في لجان القرار دون أن ينجز.
لذلك، تعلق حكومة الأردن مجدداً أمام الثنائية الاستقطابية الحادة بعنوان الصحة والفايروس من جهة، والكلفة الاقتصادية من جهة أخرى، وما يتضح عليه الأمر، للأسف، حتى اللحظة، هو الحراك عبر الارتجال والعشوائية وعدم وجود خطة في الماضي على المستوى الحكومي مقابل التزام من الحكومة الجديدة بوضع خطط واستراتيجيات واقعية، حتى وإن كانت مؤلمة.
مرة أخرى، في ثنائية الصحة والاقتصاد تخسر الإنتاجية ويخسر الإنجاز وتتراجع أنظمة المراقبة، فيما تصمد وتكسب تلك المعلبات التي تريد الهرب من التحدي والمشكلة بالإغلاق والحظر فقط.
حتى اللحظة، نخبوياً، لا أحد يعرف كيف تخسر الإنتاجية عدة جولات في ظرف استثنائي له علاقة بتحديات على مستوى الدولة وليس الحكومة، ثم تصمد معلبات كلاسيكية لا معنى لها من أي نوع، مثل توزيع الحقائب الوزارية بناء على المحاصصة البغيضة، ومثل الاهتمام بهندسة الانتخابات المقبلة، وحصرياً بالحد من نفوذ الإسلاميين والمعارضين، مع أن معسكر الولاء والانتماء إياه لم يقدم شيئاً يمكن التحدث عنه للوطن أو للدولة أو للشعب، والنظام خلافاً لأنه في كثير من المفاصل عبء صريح ومباشر.
تلك حكاية بيروقراطية وسياسية أردنية أسرارها بغيضه ونتائجها مكلفة، لكنها صامدة، والأغرب أنها تصمد حتى في زمن فيروس كورونا، مع أن الرؤية المرجعية الملكية، وبالنص الصريح وعدة مرات، أمرت بإجراءات استثنائية على مستوى التحدي الاستثنائي.