متى وكيف سيزول الإستعمار الغربي من بلادنا؟
يستذكر الشعب الجزائري اليوم الأول من تشرين الثاني بذكرى ثورة التحرير الجزائرية “الفاتح من نوفمبر” والتي قامت ضد المستعمر الفرنسي عام 1954 وإنتهت بتحرير الجزائر وإستقلاله عام 1962 بعد إحتلال دام قرابة 132 عاما، وكانت فاتورة الإستقلال باهظة الثمن حيث قدمت الجزائر ملايين الشهداء، وتتزامن الذكرى هذا العام مع إستفتاء شعبي على تعديل الدستور الجزائري، وهذا ليس أول تعديل للدستور، فقد تم تعديله مرارا وتكرارا منذ الإستقلال وأخرها كان عام 1996 في عهد الرئيس لأمين زروال.
في مطلع العام الماضي 2019 خرج الكثير من الشعب الجزائري فيما يسمى “الحراك الجزائري” وهي طريقة سلمية حضارية إتبعها الشعب من أجل تغيير السلطة في بلاده، نتج عنها لغاية الأن نهاية عهد الرئيس السابق بوتفليقة وبعض رموز عهده ولكن الحراك لازال مستمرا حيث يعتقد الكثير منهم بأن العهد الماضي لازال يتحكم في الدولة.
وكما هو الحراك الجزائري، فقد شهد العالم العربي منذ عام 2010 سلسلة من الثورات فيما سمي “الربيع العربي” بدأ من إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه بالنار بعد وصوله لمرحلة القهر جراء مصادرة مصدر رزقه والتعدي عليه من الشرطه، وشهدت تونس ولاحقا مصر واليمن وليبيا وسوريا والسودان ثورات شعبية ضد أنظمة الحكم، وكما هو الحال في الجزائر، لازال العديد من الشباب العربي يرى أن التغيير المنشود لم يحدث بعد ومازال بعيدا جدا.
بمراجعة تاريخية فقد بدأ الإستعمار الغربي للدول العربية منذ الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام في عهد الدولة العثمانية عام 1798 بقيادة الفرنسي نابليون بونابرت والذي إستمر ثلاثة أعوام، جاء بعدها وعلى مرحلتين الإحتلال البريطاني لمصر عام 1882 وبدأ زوال ذلك الإحتلال عام 1922 ولكنه إنتهى عسكريا عام 1956 بتأميم قناة السويس.
تناوبت العديد من الدول الغربية إستعمار الدول العربية تحت مسميات عديدة، منها إنتداب وحماية ولكنه في واقع الحال إستعمار وإحتلال، وتحديدا بريطانيا وفرنسا وأيضا إيطاليا، وشهدت فترة سبعينيات القرن الماضي إستقلال العديد من الدول العربية مع بقاء الكيان الصهيوني وهو صنيعة فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية لغاية اليوم في فلسطين وكذلك أجزاء من سوريا ولبنان وأيضا عاد الإحتلال للعراق من خلال الجيش الأميركي ولم يخرج منها بعد.
ولكن في واقع الحال هل فعلا إستقلت الدول العربية بخروج الجيوش الغربية من أراضيها؟ قطعا الجواب لم تستقل الكثير منها حيث أنها عاجزة إقتصاديا وصناعيا وعسكريا حيث تعتمد بشكل أساسي على إستيراد الأساسيات من الغذاء والدواء والسلاح وحتى من يدعي بأنه يمتلك الصناعة فإن أليات تلك المصانع مستوردة من الدول الغربية والأسيوية، فمن لا يمتلك صناعة سلاحه وإنتاج غذاءه ودواءه فهو يتبع إستراتيجيا من يصنع له مقومات حياته، وهكذا فإن الإستقلال المزعوم نظرية فلسفيه بحته يستطيع أن ينظر لها من عدة زوايا.
لم تكتفي غالبية الدول العربية فقط بإستيراد السلاح والغذاء والدواء، بل حتى الثقافة أصبحت مستوردة وتظهر في تفاصيل الحياة اليومية، وخصوصا منذ عصر الإنفتاح الفضائي ودخول القنوات الفضائية للبيوت العربية والتي أصبحت تبث يوميا برامج ومسلسلات لا تمت بصلة لثقافته العربي ودينه، وجاءت أيضا ثورة الإنترنت وعصر العولمة وبعض قوانين حماية الحريات لتدخل في تفاصيل شخصية الإنسان العربي وتقضي على بقايا ما يسمى “الثقافة العربية”.
التعليم أيضا مستورد تماما، فما يقدم للطالب العربي هو إستنساخ مفرغ من جوهرة بالمقارنة مع التعليم في العالم الغربي، ومخرجات التعليم في الجامعات العربية لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها في الجامعات الغربية وحتى الأسيوية، والمشكلة الأكبر هنا أن النظام التعليمي لغاية الأن لم يقدم للدول العربية ما يساعدها على الإستقلال الإقتصادي والفكري، بل ما زاد الطين بلة هو أن التعليم نفسه أصبح جزء من المشكلة حيث أصبح أحد أشكال صناعة البطالة ويتم إدارته بطريقتين، إحداهما حكومية روتينيه لم تصنع الفارق وأخرى من القطاع الخاص والذي يعمل وفق حسابات ربحية في الأساس، وأزمة الكورونا مؤخرا شاهد على واقع التعليم ومخرجاته.
العديد من الأسباب الواضحة أوصلت المنطقة العربية لهذا الحال، فقد خرج المستعمرين عسكريا من أغلب دول المنطقة ولكن سيطرتهم مستمرة على العديد من مناحي الحياة كما هو واضح للعيان، وتبرز الخلافات العربية السياسية في واجهة الأسباب، وهنالك أيضا إحتكار للسلطة في بعض البلدان وإقصاء للكفاءات الوطنية والتي وجد البعض منها حياة أفضل في العالم الغربي، أيضا تخلت المنطقة عن المنهج الديني وهو أحد أسباب رفعتها لعصور طويلة.
تعود ذكرى الفاتح من نوفمبر كل عام في الجزائر ومثلها في كل دولة عربية بإختلاف التواريخ ولكن الفكرة واحدة، حيث لم تبدأ العديد من الدول العربية في البحث عن الإستقلال الحقيقي من التبعية للعالم الغربي رغم أنه ممكن والبداية لا بد أن تكون من نبذ الخلافات العربية، و”الحراك” و”الربيع العربي” لم تكن إلا البداية لطريق طويل من التضحيات.
كاتب أردني