سلاح الديمقراطية المتفلت
اخلاص القاضي
أيعقل أن تتحول ميادين التعبير عن الفرح لما يشبه ساحات الحرب، وكأننا لسنا في دولة قانون ومؤسسات، وسط تحد سافر لقانون الدفاع ومخالفة ( على عينك يا حكومة) للانظمة والقوانين، حين يعرض من أطلق النار ابتهاجا على هامش النتائج الأولية والنهائية للانتخابات، حياة الناس للخطر، عبر ( نيران صديقة) لرصاص مرتد عشوائي اعمى، سيقتل لا محالة اجسادا ويخرب ممتلكات، اذا ما ارخى حمله السريع الثقيل المخيف.
أبإسم الديمقراطية نمارس اشكال الترهيب والارهاب، وصور التفلت الامني؟ وكأننا لا قدر الله في دولة ميليشيات، على غرار ما نراه هنا وهناك في بلدان هذا العالم الملتهب بالصراعات والازمات؟
اليس الاردن هو البلد الذي نتغنى بأمنه وأمانه؟ أليس هو الملاذ الذي نباهي به العالم باسره؟
صعقنا، كما صعق كل من راقب الوضع في الاردن بعيد الانتخابات بما جرى من (حرب سلمية)، حرب بين الرصاص والفضاء، والمبرر، الفرح! بالله عليكم، كيف يصنع الرصاص فرحا؟؟
هل من تفسير لما جرى؟ كيف نكون بلد الأمن والأمان؛ والناس تدخر هذا الكم الغريب من الاسلحة، وطالما أن لدينا ثقة باجهزتنا الامنية، لماذا نجمع السلاح، ما غايات اقتنائه بهذا الكم؟ والسؤال الذي يستوجب البحث عن أجوبة وحلول: ما تفسير ما حدث، أهو فرح حقيقي، أم ( فشة غل)، أو كبت، أو سوء تقدير، أم تفلت غير مقصود لذاته، أم طريقة معتادة ولكنها لم تصور فيديو سابقا، وحتى لو تدخل الأمن متأخرا، هل ستتغير عادات الناس باطلاق الرصاص العشوائي، بجرة استجواب وتحقيق؟
الدولة بكل اجهزتها مطالبة بتعزيز بسط الامن على كامل الاراضي الاردنية والقيام بحملة ( لمصادرة السلاح غير المرخص)، وإعادة النظر حتى بشروط بيع السلاح وترخيصه، لأننا بالابتهاج ( أقمنا حربا)، فكيف لا قدر الله اذا اختلف ابناء الوطن الواحد على قضية ما، حينها من يضبط تلك الاسلحة ويضمن عدم استخدامها؟
الديمقراطية والسلاح، وجهان متناقضان لعملة غريبة لا تصرف إلا بالاسواق السوداء التي اضاعت طريق الحق والعدل والمواطنة.
فمن يؤمن بالسلاح كوسيلة للتعبير، كيف سيكتفي بسلاح الكلمة للنائب الذي يمثله، وكيف سيقتنع أن الحوار والعقلانية والشورى هي اقصر الطرق لقلم رصاص التشريع السلمي، الذي يحسم ويراقب دون قطرة دماء.
ليس هذا هو الاردن الذي نحلم به، ليست هذه الديمقراطية التي نريد، ليس هذا الالتزام الذي نطالب به في التباعد والكمامات وقاية من المرض والموت.
كيف لافرازات هذا المجلس الذي يتخذ بعض انصاره من البندقية جسرا لحوار الطرشان، أن يستمع لهموم ملايين المواطنين الذين تعلموا وتثقفوا ولا يعرفون سوى الكلمة سلاحا وطنيا ودرعا للدفاع والبناء والتطور.
نحتاج لوطن آمن مستقر، حتى نبقى للنهاية نتعلق بأمل وسط هذا الدمار الذي يحيط بنا، فالأمن والأمان آخر معاقل الاحتماء والايمان بهذا البلد، ودونهما تسقط دعائم الاستمرار ويبطل صبرنا على الفقر والبطالة والفساد والمحسوبية والرشاوى والواسطة، وتحملنا لنبذ الوطني( الفهمان) حتى لا يشكل خطورة على ( المتسلق) الذي يتلذذ في كون الوطن فندقا وحقيبة، حينها ستتعاظم تلك المآسي، وحينها سنشعر بأننا مهددون في انفسنا وحياتنا، لمجرد ان احدهم صادر الوطن الاغلى من كنوز الدنيا برصاصات بحفنة دنانير وضمير غائب.
ونتساءل كل هذا الرصاص ونسبة الاقتراع هي الادنى ربما في تاريخ الديمقراطية الاردنية؛ فما كنا سنستخدم لو أن النسبة تضاعفت؟
ربنا ستر