نشر في مجلة صدى نبض العروبة رقم 235 تاريخ 9تشرين الاول 2020 التطبيع هو وصاية على الواقع الرسمي العربي مسلوب الإرادة
* عبدالحميد الهمشري
ما يجري في منطقتنا العربية من هجمة ترامبية نتنياهوية صهيونية لتطبيع الواقع الرسمي العربي المسلوب الإرادة مع العدو الصهيوني هي مسرحية وصاية وفرض وقائع جديدة تعود بالدمار وشرذمة المواقف العربية تجاه قضاياهم المركزية الفلسطينية منها وغير الفلسطينية ، واستغلال وجود ترامب الذي ربما لن تسعفه الانتخابات الأمريكية من التجديد لولايته لأربع سنوات أـخرى قادمة كسيد للبيت الأبيض .
فالحركة الصهيونية ابتدعت خلال مسيرتها النابعة من نظرة اليهود الدونية لغيرهم وتمايزهم عن الكل، ما لا يستسيغه عقل ولا منطق ، لكنها تمكنت بخبثها ودهائها من التأثير على الغير وتجسير الهوة التي كانت سائدة حولهم لدى المجتمع الغربي بل والعربي الرسمي ، بإحداث شرخ بل شروخ في مفاهيم ذلك المجتمع الدينية والسياسية التي كانت تتعاكس مع منطلقاتهم، واعتمدت على هؤلاء بقبول تلفيقاتها وتبنيها ليس حباً فيهم ولكن رغبة في غسيل أدمغة المجتمعات بعد تفريغها من العالق عنهم ، وتسييرها وفق النهج الذي يخدم ما يصبون للوصول إليه بالخيال اللامنطقي الذي يعتمد الخيال السياسي المروج له إعلامياً ، والذي بطبيعة الحال ينشط الإرهاب ويروجه ببلاهة وسذاجة الذي يتحكم إدارة شؤون المجتمعات ، وبالتالي الوصول من خلال هذا الخيال اللاعلمي الزائف لحلول لا تعتمد المنطق بل حلول ينبثق عنها مستقبلاً ما يسير خلف تفكك هذه المجتمعات وانحلالها ، فكانت بداية الانطلاق بالترويج لقلسقة فكرية تدعو للقبول بالآخر الذي يسعى لهدمها وهو القبول بمفاصل معينة تسهم في تسيدهم السياسي وإقناع الغير بالتعاطف معهم في تحقيق أهدافهم كتلك الرامية لتبني وجهة نظرهم التي تتحدث عن حق اليهود بإقامة وطن لهم فيما يطلقون عليها أرض الميعاد ، أرض فلسطين التي يروجون أن الله قد كتبها لهم وتبناها بعض بني جلدتنا ، وهم بذلك يصنعون كمن يقول ويل للمصلين ولا يكمل ، ويسيرون خلف من احتضنوها في بداية المشوار بريطانيا وفرنسا الدولتين الأكثر انسجاماً وتجانساً مع الصهيونية العالمية خدمة لمصالحهما الاستعمارية في فرض هيمنتهما على الشعوب ورغبة منهما في خلق بؤر توتر في المناطق المحيطة بأرض فلسطين المقدسة من قبل اليهود والأوروبيين والأمريكان وكل من يسلك مسلك هؤلاء أي ما بينهما والصهيونية مصالح مشتركة تخدم توجهاتهم جميعا، تبعتهما في ذات الشأن الولايات المتحدة الأمريكية بفكر ماسوني يسير على ذات النهج ولكن بدرجة أكثر سخرية واستهزاء وتحدياً للواقع والمنطق باحتضانها الفكر الصهيوني الذي يعبث في العقل البشري السوي ليحقنه على الاسلام والمسلمين والعرب والعروبة للحقد عليهم ومعاداتهم وتحويل الأمر لفوبيا ضد الإسلام بل وفوبيا ضد العرب الذين يتعرضون هم وبلدانهم للمهانة والإرهاب الدولي المنظم بقيادة الفكر الإرهابي الذي يتمثل بالمتطرفين الأوروبيين والأمريكان من يهود صهاينة ومسيحيين انجيليين متشددين ووثنيين ملحدين متطرفين ، وتمكن إرهابيو الفكر الصهيو غربي أمريكي بفعل فلسفة التطرف المنبعث من معتنقيها من تطوير أفكار عبر مجموعة من الحركات الدينية الناشئة لتتوافق مع مستجدات الحداثة العلمانية ، ويمكن النظر لتلك المستجدات كامتدادات لشرائع فلسفة القرون الوسطى ، وكذلك هو الحال بالنسبة للجوانب الجدلية التاريخية الأخرى للفكر اليهودي والمسيحية الصليبية، الأمر الذي أسفر عن مواقف يهودية وأوروبية وأمريكية معاصرة متنوعة تجاه المناهج الفلسفية ، فوفق اعتقادهم فإن الأغيار ” غير اليهود ” وغير المسيحيين الإنجيليين قد بعثروهم أي اليهود في شتات الأرض لطبيعتهم التحايلية، فعمدوا لبناء مجتمعات خاصة بهم بتنظيمات في مختلف الأمصار تعمل على خدمتهم وتحقيق مخططاتهم وعلى رأسها الحركة الماسونية والترويج لأفكار تمهد الطريق بعد حرف الناس عن الطريق السوي الذي يمهد لظهور متشددين معادين للقيم والأخلاق تعمل على هدم المجتمعات ودمار هذا الكوكب ، من خلال الكيد لها وتغيير الكثير من المفاهيم والضوابط فيها لنظرتهم السواداوية لغير طينتهم من البشر ، فولدت تنافراً عرضتهم للكراهية الشديدة ما دفع للتنكيل بهم والاضطهاد ، فشرنقوا أنفسهم بما يخدم أجنداتهم وأهدافهم وأخذوا بابتداع ما يعكر صفو كل مجتمع اختاروا العيش فيه وخلق صراعات بين مختلف المجتمعات تنفيذاً لأجندات يرسمونها ويسعون لفرضها لتكون لهم اليد الطولى عليهم جميعاَ .
لا أحد ينكر أنهم أي ذوي الفكر المتطرف من صهاينة ومرتبطين وخادمين لمشاريعهم من مجتمعات أخرى ، أهل خداع ومكر ودهاء ، المال والنساء والرذيلة وسيلتهم الإغرائية لامتصاص نقمة الآخرين ونشر فلسفتهم التدميرية والتفكيكية للمجتمعات والحضارة الإنسانية، فاتخذوا من خلال الاقتصاد سلاحاً ودروعاً تقيهم من عاديات الزمن وفرض سياستهم الاقتصادية على المستوى العالمي والتحكم الصحي والغذائي لنشر الأمراض وتجويع مختلف المجتمعات ، فما يقدمونه باليد اليسرى يسترجعونه أضعافاً مضاعفة باليد اليمنى وينجحون في غسيل الأموال وعقول الأغيار لإقناعهم بصحة ما يروجون له ، معتمدين الخيال وتزييف الحقائق ، لدرجة أنهم ومن خلال هيمنتهم على الإعلام تمكنوا من خلق وقائع جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي شكلوا من خلالها الرأي العام في الدول ، معتمدين العاطفة وما تعرضوا له من اضطهاد في التأثير على المجتمعات الغربية والشرقية ، فابتدعوا وأبدعوا بخيالهم الواسع لما روجوه والذي أصبح مع الواقع كأنه حقيقة فمثلاً على الرغم مما تعرضت له دول أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية من دمار وخسائر بشرية ، تم التركيز فقط على ما تعرض له اليهود وأصبح يوصف كل من يحاول النيل مما يتحدثون به عن ذلك بمعاداته للسامية ، وأوجدوا بين ظهرانينا من يتبنوا ما يتحدث به هؤلاء عما تعرضوا له وما روجوه وما زالوا يروجون حول الهولوكست وأحقيتهم في أرض الميعاد وصنعوا بالشعب العربي في فلسطين ما صنعت النازية ضدهم بل وأكثر من ذلك وتفننوا بأن يظهروا دوماً أنهم المساكين المعتدى عليهم وأن ما ينفذونه هو دفاع عن النفس وفق ما يصرح به قادة البيت الأبيض على الدوام ، فأطلقوا على جيشهم جيش الدفاع واقتنع العالم بما يبثونه من أكاذيب واستخدامهم نظرية ضربني وبكى وسبقتي واشتكى .. وهكذا أصبحوا يفعلون كما يفعل المحللون للزواج المثلي والتحليل والمتعة والمسيار كما يحلو لمحللي هذا النوع من الزواج وشغلوا مجتمعاتنا بترهات لا طائل من ورائها سوى خدمة مخططاتهم ، وما كان لهم من النجاح في ذلك لولا المد الغربي والأمريكي وحتى الشرقي لهم لوجستياً وعسكرياً وتسليحياً واقتصاديا ما مكنها من فرض إرادتها على مختلف دول العالم الإسلامي والمنطقة على وجه الخصوص ، وهذا وفر لهم الحاضنة للبدء بفكفكة الممانعة لوجودهم على الأرض الفلسطينية من خلال التطبيع الذي بدأ من مصر في العام 1978 وامتد ليشمل دول أخرى كان آخرها السودان العروبي الإسلامي الذي يتعرض لهجمة شرسة سيفضي هذا التطبيع إن استمر لفكفكته لدول كثيرة متصارعة ستفضلدماره وربما بل من شبه المؤكد سيتبع ذلك دول أخرى تسير على ذات النهج في ظل اسهبال واستغفال الشعوب العربية التي تعاني من الفقر وتعطل شبابها عن العمل وعجز حكوماتها عن سبق إصرار وترصد غربي صهيوني عن الوفاء بالتزامتها لشعوبها والتي قد يصل بها الحال أمام تحكم الفاسدين بمقدراتها العجز عن دفع الواتب أو حفظ الأمن المجتمعي والغذائي لمجتمعاتها.
بقي لي كلمة أخيرة أن حقدهم وخطاب الكراهية لديهم ضد كل ما هو عربي ومسلم قد وصل إلى التعرض لمقدساتنا ولثوابتنا ولرمز فلاحنا وصلاحنا وفلاح وصلاح البشرية جمعاء ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تحت مسمى حرية التعبير ، في الوقت الذي يعتبرون فيه التعرض لممارسات اليهود وأكاذيبهم بمعاداة السامية والتعرض للسود بالعنصرية وللمرأة بالعنف واللامساوة وهو نفس ما نؤمن به ورسخه لنا جميعاً قائدنا ورمزنا ورسول البشرية جمعاء حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي استوصى بالنساء خيراً ورسخ أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والناس جميعا متساوون كأسنان المشط .