هكذا تسرق إسرائيل أعمار الفلسطينيين على حواجز الضفة… يومياً
الجيش الإسرائيلي يدرب جنوده على سادية لينة وناجعة، ليس من الصنف الجسدي بل النفسي. إن مهمة عشرات الجنود من أبناء 18 – 20 هي، يومياً، سرقة وقت مئات الفلسطينيين من جميع الأعمار، وتحويله إلى عصيدة من الأعصاب المشدودة والمواعيد الضائعة وعدم اليقين ودور الطبيب الذي ألغي والتأخر عن وجبة العشاء مع الأولاد. ينفذ هذا الأمر عن طريق الحواجز الداخلية في الضفة الغربية – سواء الحواجز الثابتة أم الحواجز الطيارة، والفجائية (إن نهب الزمن بوضع حواجز في الضفة الغربية هو أمر سادي من نوع مختلف قليلاً). الحواجز نشاط مسلح ومتعمد، ومن نتيجتها المباشرة تقصير للحياة النشطة المنتجة نحو نصف ساعة أو ساعة أخرى يومياً. الوقت المسروق أمر غير مرئي، لا يمكن لمسه، ولا ينزف الدم. الوقت الضائع ليس وقت اليهود في اكتظاظ مروري، لهذا فإن وقف الحياة لا يشكل “خبراً”، كما أن هذا الأمر يعتبر نشاطاً روتينياً، عكس الأمر الجديد. وإلى جانب الدم، فإن الصحف تحب الأمور “الاستثنائية والغريبة”.
ولكن العادي هو الخبز اليومي للماكثين بصورة غير قانونية. وهاكم ما حدث: الثلاثاء، 10 تشرين الثاني، الساعة التاسعة والنصف ليلاً، كان هناك صف طويل جداً من السيارات خلف الحاجز العسكري الثابت في المخرج الشمالي الشرقي لرام الله والبيرة. ذيل الصف في ميدان “سيتي إن” في شارع نابلس، وبدايته تحت مظلة الحاجز بين المكعبات الإسمنتية فيه، أي أن طوله كان حوالي 400 متر. مصابيح السيارات أطفئت، وأنا كنت أسافر باتجاه رام الله، طريق الدخول كانت مفتوحة، ورأيت في مسار الخروج سيارة واحدة تم وقفها وقربها جنديان، لم تتحرك، وكل السيارات التي كانت خلفها تجمدت في مكانها.
لم أتوقف جانباً إلى أن بدأ شريط الأضواء يتحرك. لم أنزل من السيارة كي أسأل الجنود المسلحين عما يحدث، فهذا حاجز ممنوع على المشاة السير فيه. لم أكن أرغب في أن أفحص على جسدي هل الجنود يحرصون على تطبيق أمر التوقيف (يصرخون: توقف، ويطلقون على المرأة التي تمشي). ولكن من التجربة عرفت: هذا صف طويل جداً– المعنى هو الانتظار هناك لفترة طويلة. لم يتجرأ أي سائق على إطلاق صافرة السيارة أو يظهر العصبية. الهدوء الذي لف السيارات العالقة أظهر التسليم بالواقع والخضوع الظاهري. وكان هناك حريق مشتعل من تحته.
بعد ثلاثة أيام على ذلك، يوم الجمعة 13 تشرين الثاني، حوالي الساعة الرابعة والربع بعد الظهر، كنت أسير في شارع بير زيت – النبي صالح. على مدخل القرية الصغيرة عطارة، كان يقف صفان من السيارات، أحدهما رأسه إلى المخرج والثاني إلى الداخل، إلى القرية. جنديان مسلحان واقفان في الوسط ولم أنتبه إذا كان هناك جيب عسكري. لم تتحرك تلك السيارات التي كانت تعمها مشاعر التسليم.
وفي هذه المرة لم أتوقف، فقد أسرعت وخفت من أن ينتقم الجنود من السائقين الفلسطينيين ويطيلوا زمن التأخير إذا جئت وطرحت الاحتجاج. واصلت السير نحو الغرب. على مدخل قرية النبي صالح، كان يمكن رؤية المشهد نفسه، صفان من السيارات، جنديان، السيارات تنتظر وتنتظر. وضع في اليوم نفسه 16 حاجزاً فجائياً في أرجاء الضفة، وتم توقيف شخص في أحدها، حسب تقارير قسم المفاوضات في م.ت.ف. في 15 الشهر الحالي كان هناك 18 حاجزاً فجائياً، وبعد يومين كان 12 حاجزاً. كم من القوى الشريرة توجد في أيدي الجنديين المسلحين.
أرسلت للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي الأسئلة التالية: فيما يتعلق بالحاجز الدائم – هل كانت هناك سيارة معينة يتم فحصها طوال هذا الوقت، لذلك تم خلق هذا الصف الطويل، أم أنه فحص روتيني لكل السيارات؟ هل تم تنفيذ اعتقال في المكان؟ متى تم إنهاء هذا الاختناق المروري؟ لماذا لا يقومون بإيقاف السيارة المرصودة بدلاً من تأخير كل السيارات في هذا الحاجز (كما الحال أيضاً في حاجز حزما الذي يمر فيه مستوطنون إسرائيليون آخرون أيضاً) كي لا يعاني عشرات السائقين الآخرين من التأخير؟
بالنسبة للحواجز الفجائية، سألت: هل الحديث يدور عن حواجز روتينية في هذه المنطقة في أيام الجمع؟ إذا كان الجواب لا، فهل كان هناك سبب معين لوضع الحواجز في هاتين القريتين في يوم الجمعة وما هو هذا السبب؟ منذ متى وإلى أي وقت تم وضع الحواجز في هاتين القريتين؟ هل تم إجراء اعتقالات على هذين الحاجزين؟ هكذا أجاب – لم يجب المتحدث بلسان الجيش على أسئلتي: “قوات الجيش الإسرائيلي تقوم بنشاطات عملياتية متنوعة للحفاظ على أمن السكان (أي المستوطنين) في منطقة يهودا والسامرة. كجزء من هذه النشاطات، يضع الجيش بين الفينة والأخرى حواجز طيارة في المفترقات الرئيسية ويقومون بالفحص طبقاً لتقدير الوضع واستناداً لمعلومات استخبارية ذات علاقة. هذه وسيلة عملياتية فعالة، وبين حين وآخر تم إلقاء القبض على مشبوهين وسلاح كنتيجة لهذه النشاطات العملياتية – ويجب التأكيد على أنه إلى جانب الضرورة العملياتية لهذه النشاطات، فإن قوات الجيش الإسرائيلي تستخدم الوسائل الممكنة من أجل الحفاظ على نمط حياة سليم للمسافرين على المحاور”.
نمط الحياة السوي لنظام عسكري أجنبي ومفروض يرتبط أيضاً بتنكيل نفسي للرعايا وبإهانتهم. إن السيطرة على وقت الرعايا يكمل السيطرة على الأرض، ولكن الوقت لن يكون بالإمكان إعادته.