لنقف للحظات مع انفسنا ولنحاول تقييم الواقع التعليمي الذي فرض نفسه على العالم بعامة وعلى المستوى المحلي تحديدا ولننظر وبموضوعية لهذا الواقع بعيدا عن الجزء الفارغ من الكأس . التعليم الإلكتروني هو شكل من أشكال التعليم المطوّر الذي بدأ يتجه إليه العالم في الآونة الأخيرة كرديف وداعم للتعليم الوجاهي قبل أن تحل عليه جائحة كورونا ليصبح هذا التعليم هو البديل الإلزامي الذي توجهت إليه جميع الدول بما فيها الأردن في محاولة لاستمرارية التعليم وعدم إسقاط سنة دراسية أو أكثر من عمر الطالب التعليمي في ظل وباء لا يستطيع أحد حتى الآن التنبؤ بنهايته. واجتهد الجميع من المعنيين والمسؤولين عن الملف التعليمي في تطوير وتحديث التجربة الجديدة علها تستطيع أن تعطي الطلبة جزءا من حقهم الإلزامي في التعليم باعتبار التعليم حق للجميع ولم تسلم هذه التجربة ولا القائمون عليها من النقد والتجريح والذم وقد تناسى هؤلاء الناقدين والمعترضين أنها تجربة جديدة لم تنضج بعد وأنها قابلة للتعديل والتطوير والتحديث بناء علي التغذية الراجعة وتقدير الفاقد التعليمي ومتناسين بل ومتجاهلين أيضا أن التعليم عن بعد بات ضرورة ملحة وليس خيارا أو رفاهية . مع اتفاقنا جميعا على حق الطلبة في العودة الى مدارسهم لا من أجل التعليم فقط بل من أجل التفاعل الاجتماعي والنفسي الذي افتقدوا جزءا كبيرا منه بابتعادهم عن مدارسهم، واتفاقنا جميعا أيضا أن الفاقد التعليمي والنفسي والاجتماعي كبير مقارنة مع التعليم الوجاهي . وعودة للجانب الممتلئ من الكأس ، ماذا لو طال الوباء _لا سمح الله_ ولم يُسمح بعودة الطلبة لمدارسهم باعتبار السلامة العامة هي أولى الأولويات ؟؟؟ ما حجم الخسارة التربوية والتعليمية التي ستترتب جراء ذلك على أبنائنا الطلبة ..؟؟؟ اذن فالتعليم عن بعد هو البديل الأسلم لضمان استمرارية التعليم على أقل تقدير . التعليم عن بعد كان سيكون أكثر نجاحا وأكثر جدوى لو أحسن استثماره من قبل كل المعنيين بالعملية التعليمية وخاصة الطلبة وأولياء أمورهم اذا ما تم التعامل معه بالجدية والقناعة التامة بضرورته وأهميته . كان من الممكن جدا ان يبني جيلا قادرا على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس والقدرة على التقييم الذاتي . كان من الممكن أيضا أن يبني منظومة كبيرة من القيم الأخلاقية لدى أبنائنا الطلبة كالصدق والأمانة والرقابة الذاتية وغيرها . إن تطوير التعليم بات ضرورة ملحة في ظل التسارع التقني وفي ظل المتغيرات التي تفاجئ العالم بأبعادها وتبعاتها. وما التعليم الإلكتروني الا جانب من جوانب هذا التطوير والتحديث الذي تسعى له جميع الدول التي ترغب بمواكبة العالم بمستجداته وتطوراته ، وفي الختام وحتى لو انتهت الجائحة وعاد الطلبة لمدارسهم يجب أن يبقى التعليم عن بعد جزءا من العملية التعليمية يستمر مع الطلبة حتى وهم في بيوتهم بمعنى أن العملية التعليمية التعلمية لا تحدد بأوقات دوام معينة بل هي عملية مستمرة يصبح فيها البيت جزءا من المدرسة وليصبح التعليم ماتعا وجاذبا بعيدا عن الدور التقليدي الذي يقوم على حشو المعلومات وتلقينها . لكي ينجح التعليم عن بعد فهو يحتاج إلى التقبل والقناعة المجتمعية كما يحتاج الى التحديث والتطوير ومواكبة كل مستجد يمكن من خلاله تجويد العملية التعليمية وتحسينها. فلنقيم الأمور بعيدا عن النقد لأجل النقد ولننظر إلى الواقع من جميع زواياه لنتمكن من رسم الصورة الصحيحة له .