د. هيا عاشور تكتب: الإعلام مابعد المصالحة الخليجية..!
موسكو – د. هيا عاشور
بعد المصالحة الخليجية التي عقدت بالأمس في المملكة العربية السعودية، والتي تكرس المصالحة وأسس التكامل بين بلدان مجلس التعاون في مجالات الاقتصاد والسياسية والأمن.والتي جاءت بعد سنوات من الوساطة الكويتية ودور أمريكي قاده كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر.
ترقب الرأي العام العربي تغريدات ومنشورات واطلالات بعض الإعلاميين الذين اخذوا بالسنوات الاخيرة جانب قطر ومن وقف معها من دول، او جانب المملكة العربية السعودية ومن وقف بجانبها من الدول.
و رغم أن أخلاقيات المهن الإعلامية قد حظيت باهتمام كبير في القرن العشرين، حين أقترح بعض المهنيين في الولايات المتحدة الأمريكية وضع نصوص تضبط التجاوزات التي كانت تحصل آنذاك في مجال الإعلام. وحذت دول كثيرة حذو الولايات المتحدة الأمريكية لاحقًا مثل السويد ثم فرنسا، ثم تبعتها الكثير من الدول العربية. كما أن الكثير من الجمعيات والمنظمات الأممية أو الإقليمية وضعت نصوص شرف أو مواثيقَ حاولت من خلالها تأطير العمل الإعلامي بضوابط كان يفترض أن تحكم و تؤطر اطروحات الإعلامين و واضعي المحتويات او حراس البوابة الاعلامية، خاصة التحلي بشروط: الموضوعية والدقة والتوازن في صياغة المحتويات الإعلامية، وبشكل يبتعد عن تضليل الرأي العام والدعاية، ويبتعد عن اثارة النعرة القومية أو النعرة الدينية التي قد تسهم في التشتيت بين أبناء المجتمع الواحد.
غير أن المتابع للممارسات الإعلامية في الازمة الخليجية في السنوات الأخيرة يلحظ تصاعداً كبيراً للمحتويات المضللة ولخطاب الكراهية، سواء كانت في محتويات وسائل الإعلام التقليدية أم في محتويات وسائل التواصل الاجتماعي.
حتى أن الجمهور المتابع كان بانتظار مواقفهم الإعلامية الجديدة إزاء المصالحة الخليجة.وبرع ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي برصد محتويات اعلامية سابقة وتحويلها الى طُرف ومفارقات تظهر مدى اسفاف بعض الاعلامين سابقا ووصمهم للدول واطلاقهم نعوت غير شريفة على خصومهم، ومن ثم تغير وانقلاب مواقفهم بعد المصالحة الخليجية.
ولربما هذا الأمر يوجب علينا التفكير لفهم مسببات التفاوت بين الخطاب النظري في مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية والممارسة الفعلية. فعلى خلاف مهن أخرى كالطب والمحاماة مثلا، التي عرفت كيف تجعل مواثيق شرفها تكتسب صبغة إقتربت من الطابع الإلزامي على الرغم من كونها غير ملزمة لمن يمتهنونها.
وكي اكون أكثر واقعية واتزان في هذا الطرح يجب أن أشير إلى إشكالية الحياد الإعلامي المهني.
حيث يشكل الحياد في الأداء المهني لدى الاعلامين مسألة معقدة، بالنظر إلى تشابك وتعقد وضع الاعلامي داخل المنظومة السياسية والاجتماعية والأيديولوجية، باعتباره جزء منها يخضع لشروطها وهيمنتها وقوانينها، وبين مُسماه الوظيفي الذي يتطلب منه قدرا عاليا من الالتزامات الأخلاقية بينه وبين المتلقي، والتي تشكل قاعدة العقد الاخلاقي بينهما مثل، الحق في اعلام موضوعي ونزيه وخالي من الدعاية والتوجيه والتضليل وقول الحقيقة كاملة، بما يُمكّن الجمهور من بناء رأي مستنير حول القضايا التي تهمه، واتخاذ قرار صائب حولها.
من جهة اخرى يقع على كاهل الجمهور الذي يحمل صبغة في المجتمعات العصرية بالاعتماد على الأنباء الزائفة والتحليلات المشوهة في ظل التضعضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الاوسط ،فتنشط بيئة تأليف وبث انباء زائفة وتحليلات مضللة او وجهات نظر تحمل في طياتها خطاب كراهية وتفرقة وشيطنة وتشويه لسمعة وصورة ونعت بعض الدول .فتتحول الحالة الاعلامية الى رحى حرب اعلامية ودعائية، وتجند خلالها كل مؤسسة اعلامية ترسانتها البشرية الصحفية وذخيرتها لتصب في مصالحها.
ولكي اكون غير مجحفة بحق الاعلامي لزاما عليّ أن اشير الى أن غالبية الاعلامين والصحفيين في الوطن العربي انخرطوا أو تاثروا بالصراع الخليجي. بالاضافة إلى أن غالبية الاعلاميين السياسيين لا يمتلكون أدوات الاعلام المدروس وإنما الأمر يخضع لدى كثيرين منهم الى تغليب وجهة النظر والقناعة الشخصية وهو خطأ مهني .بالاضافة إلى أن البنية النفسية لشخصية الاعلامي السياسي تجعله اشبه بالمناضل المُدافع عن تصوراته وافكاره، بالاضافة الى برمجته احيانا ضمن جماعات مطلبية لها وجهات نظر حول مصلحة دولهم المنتمين لها. بدل البحث والتحري والتقصي عن الحقيقة بشكل حيادي.
كما أن الاعلاميين ينتمون إلى قنوات إعلامية سلطوية ورسمية، لها سياسات تخضع لاعتبارات معينة تابعة لمصالح الانظمة السياسية للدول المستضيفة أو بعضها شخصية. كما أن منظومة الإعلام العربي ليس لها مرجعية ممنهجة واضحة المعالم،بل هي متغيرة تبعًا للانظمة العربية الحاكمة.
لربما تعلمنا الدرس جيدًا هذه المرة بعد المصالحة الخليجية، والتفتنا الى مواجهة أزمة المصداقية، ووضعنا أسساً علمية ومهنية عملية تساعد ببناء الرسالة الإعلامية النزيهة وتحسين المضمون الاعلامي في المؤسسات الاعلامية العربية، ووحدنا الجهود الاعلامية لخدمة الاعلام والوطن العربي، ورفعنا من سقوف الحريات الاعلامية في الوطن العربي التي تُمكن الكُتّاب الصحفيين والاعلاميين السياسيين من التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم في القضايا السياسية وتبني المواقف المبنية على الاخبار الصحيحة والموضوعية، ووجهنا الدعاية الاعلامية العربية الراقية والرصينة، بمضامين رسالة واحدة تحمل معان توحيد لقوتنا ونبذنا لخلافاتنا السياسية السابقة والأيديولوجية و تركيزنا على نقاط القوة: اللغوية والثقافية والتاريخية والجغرافية، التي نجتمع بها ونهضتنا بمجتمعاتنا العربية.
* موسكو / كلية الإعلام