أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب :مناقشات النواب للبيان الوزاري
أ. د. ليث كمال نصراوين- ينشغل مجلس النواب منذ أيام بمناقشة البيان الوزاري الذي قدمه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وذلك كمطلب دستوري للحصول على ثقة المجلس النيابي. وفي هذا الإطار، يجب التأكيد على أن الحكومة في الأردن تعتبر دستورية بالكامل منذ صدور الإرادة الملكية السامية بتعيينها وأداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمام جلالة الملك، وبأن الثقة على البيان الوزاري هي لغايات تعزيز هذه الدستورية.
ويقصد بالبيان الوزاري خطة العمل والبرامج التي ستسعى الحكومة الجديدة إلى تنفيذها خلال فترة ممارستها لولايتها العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية. فالحكومة في الأردن ليست حكومة برلمانية، بمعنى أنها لا تتشكل من الحزب الفائز في الانتخابات. بالتالي لا بد من أن يعطى رئيس الوزراء الجديد الفرصة لكي يعرض الأعمال والمشاريع التي ستسعى حكومته إلى القيام بها خلال فترة وجودها في السلطة التنفيذية، وأن يصوت مجلس النواب بالموافقة أو الرفض على هذه البرامج والأهداف. فعندما يُستكمل الاصلاح الدستوري في الأردن ويتم تطبيق نظام الحكومة البرلمانية، فإن الأحكام المتعلقة بالبيان الوزاري يجب أن يعاد النظر بها، ذلك على اعتبار أن خطط وأهداف الحكومة البرلمانية هي تلك التي وردت في برنامجها الانتخابي، والتي على أساسها جرى التصويت لها من جمهور الناخبين.
إن من شهدناه خلال الأيام الماضية من مناقشات نيابية حامية الوطيس لا تتوافق مع الفلسفة الدستورية التي تقرر من أجلها عرض البيان الوزاري على ممثلي الشعب لمناقشته وإقراره. فبدلا من أن يقوم السادة النواب باستعراض ما تضمنه بيان رئيس الوزراء من مشاريع وبرامج مستقبلية تنوي الحكومة تنفيذها، خرج ممثلو الشعب عن هذه المقاصد والغايات، واستغلوا اعتلاء المنصة النيابية للمطالبة بخدمات محلية لدوائرهم الانتخابية، بشكل كرس فكرة أن النائب في الأردن هو نائب خدمات. ففي الوقت الذي يتعين به على النائب أن يراجع الخطط والبرامج التي قدمها رئيس الوزراء من منطلق المصلحة الوطنية العليا، تسابق السادة النواب في توجيه عبارات الانتقاد لأعضاء الفريق الوزاري، بشكل لا يتوافق مع السياق العام لهذا الحدث الدستوري.
وقد اتسعت مطالب السادة النواب لتشمل قضايا انشغل بها الشارع الأردني مؤخرا، أهمها حل نقابة المعلمين وحبس الصحفيين، حيث تمثلت المطالبات النيابية للحكومة بضرورة انقاذ المعلمين وإعادة من أحيل منهم إلى الاستيداع. فعلى الرغم من أهمية هذه القضايا، إلا أن التعاطي معها يجب أن يكون من خلال اللجوء إلى القضاء والطعن بالقرارات الحكومية التي صدرت، واستئناف تلك التي تحوم حولها شبهات مخالفة القانون. فالقضاء الأردني بنزاهته واستقلاليته قادر على انصاف كل ذي صاحب حق، وتوجيه اللوم والانتقاد إلى أعضاء الفريق الوزاري بأنهم قد خالفوا أحكام القانون.
وتبقى الممارسة التي اعتاد الناخب عليها بأن تنجح الحكومات في الحصول على الثقة على بيانها الوزاري بأغلبية نيابية ساحقة، إذ يتحول أصحاب الصوت الناقد إلى مانحي الثقة للحكومات المتعاقبة. وهذا ما يزيد من السخط الشعبي على المؤسسة البرلمانية، وبأن النواب فيها غير قادرين على اتخاذ موقف واضح ومحدد من البيان الوزاري.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية