تحديث مدونة السلوك النيابية
أكد جلالة الملك خلال لقائه أعضاء المكتب الدائم لمجلسي الأعيان والنواب على أهمية مدونة السلوك المرتبطة بعمل مجلس الأمة، وضرورة الالتزام بها من أجل تعزيز ثقة المواطن بالبرلمان. إن ما لا شك فيه أن الدولة الأردنية وهي تعبر إلى مئويتها الثانية بحاجة إلى الوقوف على ظاهرة تراجع الثقة الشعبية بمؤسساتها العامة، وتحديدا سلطتها التشريعية. فقد تسارعت الأحداث السياسية والدستورية خلال السنوات الماضية بشكل لم تكن معه مجالس النواب السابقة قادرة على استيعابها والتعامل معها. فكانت التبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المجتمع الأردني ثقيلة، وكفيلة بأن تُفقد المواطن ثقته بالديمقراطية التمثيلية وجدوى المجالس النيابية.
وضمن الجهود الوطنية لاستعادة الثقة الشعبية في المؤسسة البرلمانية، صدرت مدونة السلوك النيابية لعام 2015، والتي تضمنت مجموعة من القواعد الأخلاقية التي تهدف إلى تنظيم الأداء النيابي وفق أحكام الدستور، وترسيخ مبادئ الديمقراطية وقيم المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية. كما فرضت المدونة على النائب مجموعة من الالتزامات التي يصل مداها إلى الحفاظ على سمعة المجلس، وتجنب الواسطة والمحسوبية وكل ما من شأنه الإساءة إلى مكانة المجلس وهيبته. كما تفرض المدونة على النائب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وعدم تبني أي موضوع فيه منفعة شخصية له سواء داخل المجلس أم خارجه.
إن هذه الأحكام المثالية في مدونة السلوك لم يكن لها أي تطبيق عملي على أرض الواقع. فلم يحتاج أعضاء مجلس النواب التاسع عشر سوى أيام نيابية محدودة لكي يقوموا بالسعي لخدمة مصالحهم الخاصة بهم، وذلك من خلال طلبات التعيين التي انهالت على السادة الوزراء خلال جلسات الثقة بالبيان الوزاري. فقد فات الجميع أن ما أقدم عليه هذه الفئة من ممثلي الشعب يشكل مخالفة صريحة لمدونة السلوك النيابية يتعين ملاحقتها وفق الأصول القانونية.
وتبقى المشكلة الأبرز في مدونة سلوك أعضاء مجلس النواب الحالية أنها بحاجة إلى تعديل جوهري. فالمدونة الحالية تُسند إلى لجنة النظام والسلوك مهمة النظر في أي شكوى أو مخالفة تتعلق بمخالفة نصوصها وأحكامها، كما أنها تعطي الحق لرئيس المجلس أن يحيل إلى هذه اللجنة كل من لا يمتثل لقرارته التي يصدرها أثناء رئاسته جلسات المجلس.
إن لجنة النظام والسلوك قد جرى إلغاؤها في عام 2019 وذلك بموجب التعديل الأخير على النظام الداخلي لمجلس النواب، وأصبحت اللجنة القانونية هي الجهة المختصة بالإشراف على تطبيق مدونة السلوك والنظر في أي مخالفة من النواب لما جاء فيها من بنود. ورغم مرور أكثر من سنة ونصف على صدور هذا النظام المعدل، ما تزال مدونة سلوك أعضاء مجلس النواب تعترف بلجنة النظام والسلوك.
إن إدارة مجلس النواب الجديدة مدعوة إلى سرعة تعديل مدونة السلوك النيابية، ليس فقط فيما يخص احلال اللجنة القانونية بدلا من لجنة النظام والسلوك، بل في التوسع في نصوص هذه المدونة لتشمل الإشارة إلى وجوب التزام النواب بالإشهار عن ذمتهم المالية في مواعيدها القانوننية، وعدم قبول أي أعمال أو مشاريع أو عطايا من شأنها أن تحدث تضارب بين مصالحهم المالية الخاصة بهم وعملهم النيابي.