ليس مسؤولية الحكومة وحدها
لم يكن غريبا أن تسيطر الاوضاع الاقتصاديه على كلمات النواب، في مناقشاتهم لبيان الثقة بالحكومة, فهي الأزمة الأشد التي يرزح تحت ثقلها المواطن، وهي محل إجماع, لكن السبل تتفرق عند الحديث عن المخارج من هذة الأزمة، وإذا كانت الغالبية الساحقة تنتظر الحل من الحكومة، فأنني من الذين يعتقدون ان حل هذة الأزمة مسؤولية مشتركة, لأننا كأردنيين مسؤولين جميعاً, وبصور ونسب مختلفة عن الأوضاع الاقتصادية التي نعيشها، والتي تشكل واحدة من أخطر التحديات التي تواجهنا، وأكثرها تعقيدًا وانعكاسًا على الاستقرار الاجتماعي والسكاني، والأمني ومن ثم الاستقرار السياسي، مما يفرض على الجميع أن يستنفر للمساهمة في مواجهة هذا التحدي، الذي ساهمنا جميعاً في صناعته وبالتالي صارت مواجهته مسؤولية جماعية.
قلت في مقالات سابقة أن أزمتنا الاقتصادية ليست قضية أرقام فقط، لكنها قضية مفاهيم في الأساس، لأن جزءاً كبيراً من هذة الأزمة ناجم عن مفاهيم انعكست سلوكاً في مجتمعنا وسمته بالطابع الاستهلاكي المدمر، الأمر الذي يستدعي أن يراجع كل واحد منا سلوكه الاقتصادي، مثلما يستدعي أن تولى كل خطة لإصلاح الاقتصاد الأردني جانب المفاهيم اهتماماً كبيراً، بهدف إعادة بناء مفاهيم السلوك الاقتصادي السليم وأولها التوقف عن الإسراف والتبذير والعودة إلى ممارسة قيم القناعة والعفاف في سلوكنا كأفراد وكمجتمع من جهة، وكذلك إحلال ثقافة الإنتاج محل ثقافة الاستهلاك التي سيطرت على حياتنا من جهة أخرى، لأنه بسبب هذا الاختلال في معادلة الإنتاج والاستهلاك لمصلحة الاستهلاك تعمقت أزمتنا الاقتصادية.
وفي جانب المفاهيم أيضاً لابد من الاعتراف بأن من أسباب تفاقم أزمتنا الاقتصادية غياب الشفافية، مما أدى إلى ربط الوضع الاقتصادي في أذهان الأردنيين بالفساد والرشوة والمحسوبية من جهة، وبسوء الإدارة وفشل التخطيط من جهة ثانية، وبفقدان الثقة ببرامج وخطط ووعود الحكومات وبجديتها في التصدي لمعالجة الأوضاع الاقتصادية من جهة ثالثة، خاصة في ظل ما يتحدث عنه الناس من التضارب بين أقوال الحكومات وأفعالها، ففي الوقت الذي تشكو فيه الحكومات من تضخم الجهاز الوظيفي، فإنها لا تتوانى عن الإسراف بالتوظيف عن طريق العقود الشاملة وعقود شراء الخدمة، كذلك يكثر الحديث عن بذخ الحكومات غير المبرر لدولة محدودة الموارد تدعو حكوماته مواطنيه إلى شد الأحزمة. لذلك فإنه من المهم أن تقدم الحكومة نموذجاً يقتدى به في سلوكها الاقتصادي، لبناء ثقة المواطنين ببرامجها وخططها للإصلاح الاقتصادي.
خلاصة القول في هذه القضية: أننا جميعاً شركاء وإن كنا بنسب متفاوتة في صناعة أزمتنا الاقتصادية، لذلك فإن الخروج منها يقع على عاتق كل واحد منا مهما كان موقعه.