الخيانة وأسباب أخرى: هكذا سقطت بغداد عاصمة الخلافة العباسية على يد المغول!
في العاشر من شباط 1258 سقطت بغداد عاصمة دولة الخلافة الإسلامية –الدولة العباسية- على يد المغول وقائدهم هولاكو خان بعد أن حصار دام 12 يوما، ومع هذا السقوط كانت النهاية الفعلية لدولة الخلافة العباسية، ولم يكن ذلك السقوط وليد الصدفة بل له من المسببات التي مهدت لحدوثه كما هو حاصل في العصر الحالي!
مما قيل في صفات المستعصم بالله عبد الله بن منصور المستنصر بالله والذي يعود نسبه إلى هارون الرشيد. الذي سقطت في خلافته بغداد الكثير من المزايا، فقد قيل أنه حافظًا لكتاب الله، مثقفا ومتعلمًا في العلوم الشرعية واللغوية والنقلية، حسن الخلق، وسلامة الصدر، كريما حليما عفيف اللسان.
لكن هذه الصفات المميزة لم تترافق مع صفات أخرى مهمة من مهارات الحكم والقيادة فقد كان لينا سهل الإنقياد ضعيفا، وسيء التقدير وقليل الهيبة ويحب اللهو والطرب، وإحدى أبرز القصص التي تدل على حالته ما ذكره بعض المؤرخين في وقت هجوم المغول؛ حيث طلب من أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ أن يرسل له جماعة من أهل المغنى والطرب، بينما كان رسول السلطان هولاكو قائد المغول يطلب من أمير الموصل منجنيقات وآلات الحصار، فقال بدر الدين (وقد كان أحد الخونة المتعاونين مع المغول): انظروا إلى المطلوبين، وابكوا على الإسلام وأهله”.
ولأن الأسرة العباسية تعرف صفات المستعصم بالله جيدا، فقد رفض الكثير منهم مبايعته كخليفة وأبرزهم عمه وأخيه الخفاجي والذي كان يمتاز بالشجاعة والقوة والذكاء بل وكان متابعا للتمدد المغولي في شرق بلاد المسلمين بخارى وسمرقند، وفي بعض الروايات أن الخليفة المستنصر كان يجهز ابنه الخفاجي لخلافته، وحتى وفاة المستنصر مسموما كانت فيها شبهات كثيرة كانت تدور حول ابن العلقمي وكذلك قائد الجيش الأمير إقبال الشرابي، وهذا ما سهل تولي المستعصم للخلافة وهذه المعلومات ذكرها أكثر من مصدر تاريخي أبرزهم “المقريزي” و “الإربلي”!
إختار “المستعصم بالله” الرافضي مؤيد الدين بن العلقمي الأسدي وزيرا (بمكانة رئيس الوزراء وقتها) ولاحقا ساهم إبن العلقمي ورجل الدين نصير الدين “الفارسي إبن الطوسي” في نهاية دولة الخلافة العباسية.
سيطر رجال الدولة على فكر وقرارات الخليفة الضعيف، وكان أبرزهم الوزير إبن العلقمي وقائد الجيش إقبال الشرابي، وعمل هؤلاء على التقليل من كفاءة الجيش من خلال تشجيع المستعصم على الحد من الإنفاق على الجيش وتسليحه وتم تسريح العديد من أفراده، حتى وصل عددهم إلى عشرة ألاف مقاتل بعد أن كان أكثر من مئة ألف مقاتل!
هكذا كانت إدارة الأمور في عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد قبل غزو المغول بقيادة هولاكو، وكل أسباب السقوط كانت متوفرة تماما، ومن زاد عليها هي خيانة البطانة المتمثلة في الوزير إبن العلقمي الذي تحدثت الروايات كثيرا عن تعاونه مع المغول ومهد لقدومهم، فقد كانت له طموحاته الشخصية، ولكن المغول قوة إحتلال ولا تحترم مواثيق مع خائن، فكان مصيره أن قتله المغول!
وقد سبق هجوم جيش المغول على بغداد سلسلة مراسلات بين تهديدات هولاكو وردود الخليفة المستعصم بالله والذي كان بعيدا جدا عن الواقع والضعف الذي تعيشه دولته منها ضعف الجيش والإنقسامات التي تعيشها الدولة الإسلامية حيث يحكم الأيوبيون بلاد الشام والمماليك يحكمون مصر والصراع بينهم شديد، ولم يكونوا في وضع يسمح لهم بمساعدة الخليفة، وكانت أخر رسائل هولاكو “فإني متوجه إلى بغداد، بجيش كالنمل والجراد”.
في بداية محرم من عام 656هـ وصل هولاكو وجيشه الذي يقدر بعشرات الآلاف إلى بعقوبة شرق بغداد، وأمامهم إنهارت الدفاعات العباسية بعد أن كانت المنطقة الغربية قد سقطت قبل ذلك بيد القائد المغولي بايجو.
في نهاية محرم وبداية صفر من نفس السنة، عاث المغول فسادا لم يشهد له التاريخ مثيلا في بغداد، فقتلوا مئات الآلاف من أهل بغداد، وقال الذهبي أن عدد القتلى قد وصل إلى ثمانمائة ألف قتيل، ودمَّروا الكثير من المعالم العُمرانيَّة من مساجد وقُصور وحدائق ومدارس ومستشفيات، وتم تدمير مكتبة بغداد العظيمة (بيت الحكمة) الدار التي كانت تحوي كتب ومخطوطات تجمع تاريخ المسلمين في أكثر من ستمائة عام، وجمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون، حتى قيل أن لون مياه نهر دجلة أصبح أسودا من أثر الكتب التي ألقيت فيه، بل قيل: إن الفارس المغولي كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى.
أما الخليفة المستعصم بالله فقد تم أسره ومُنع عنه الطعام، ويروى أن هولاكو قد أمر بأن تُقدم إليه الكنوز التي وجدوها في قصره بدلا من الطعام؛ فقال له المستعصم: “إن الكنوز لا تُزيل جوعًا”. فرد عليه هولاكو ساخرًا: “إذا كانت الكنوز لا تسد الرمق، وإذا كانت لا تحفظ الحياة؛ فلماذا لم تعطها لجنودك ليحموك، أو إلى جنودي ليُسالموك”
قُتِلَ الخليفة المستعصم وأولاده وعائلته وسقطت الخلافة العباسية بعد خمسة قرون من الحكم.