“النهضة” التونسية تلوح بالنزول إلى الشارع وسط تخوفات من العنف
تتفاعل أزمة التعديل الوزاري في تونس، لتدخل منعطفاً جديداً يتمثل في حشد الشارع للفصل في الخصومات السياسية. وعلى إثر سلسلة الاحتجاجات الساخطة على أداء الحكومة والبرلمان، لوّحت حركة النهضة بالنزول إلى الشارع، “لدعم التجربة الديمقراطية والبرلمان والدستور”، ما حذر متابعو الشأن السياسي من خطورته.
وجاء في بيان الحزب أنه “قرّر التشاور مع الأحزاب وكل القوى التي تدعم التجربة الديمقراطية والبرلمان والدستور للنزول إلى الشارع في يوم سيجري الإعلان عنه لاحقاً”. فلماذا تستنجد الأحزاب في تونس سواء كانت في المعارضة أو في الحكم إلى “تحكيم الشارع” في الأزمات السياسية؟ وما مدى خطورة هذا الخيار على المسار الديمقراطي والسلم الاجتماعي في البلاد؟
نسف “النهضة”
تعيش تونس أزمة دستورية حادة، بسبب رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد قبول الوزراء الجدد الذين اختارهم رئيس الحكومة هشام المشيشي في التحوير الوزاري الأخير، لأداء اليمين بعد نيلهم ثقة البرلمان في الـ26 من يناير (كانون الثاني) الماضي.
وتأتي هذه الأزمة في خضم احتقان اجتماعي وأزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب جائحة كورونا، ما دفع عدداً من الأحزاب المعارضة والمنظمات إلى المطالبة بتغيير المنظومة الحاكمة ونظام الحكم وتعديل النظام الانتخابي، بسبب الصراع المحتدم بين الرئاسات الثلاث (الحكومة والرئاسة والبرلمان).
ووصف رابح الخرايفي، أستاذ القانون العام والعضو السابق في المجلس الوطني التأسيسي، قرار حركة النهضة بـ”الأرعن” سياسياً، وذلك لأنها دفعت رئيس الحكومة إلى التصادم مع الرئاسة، والآن تدفع أنصارها للنزول إلى الشارع “وهو أمر خطير” على حد قوله، معتبراً أن هذه الخطوة “ستنسف الحركة من المشهد”.
حل البرلمان
وشدد الخرايفي على أن الحركة ستتمكن فقط من تجييش أنصارها المنضبطين حزبياً، بينما سينزل الآلاف إلى الشوارع سخطاً وغضباً على الحركة القابعة في الحكم منذ 2011، ولم تستجِب لتطلعات التونسيين في التنمية والتشغيل.
وأضاف أن النزول إلى الشارع من قبل الجبهتين السياسيتين المتخاصمتين (حركة النهضة وأتباعها، والأحزاب المعارضة ومناصروهم) سيقدم إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد، في غياب المحكمة الدستورية، حجة لحلّ البرلمان وتعليق العمل بالدستور، لأن الفوضى وقتها ستعمّ البلاد، وستكون الدولة غير قادرة على تأمين المرافق العامة وحماية الممتلكات، كما أن الاضطرابات ستتسرّب إلى البرلمان الذي سيصبح غير قادر على الاستمرار في عمله بشكل طبيعي.
ولفت أستاذ القانون العام إلى أن قيس سعيد لو لمّح إلى حلّ البرلمان، فسينزل الآلاف إلى الشوارع بسبب الغضب الكبير حيال مجلس النواب والطبقة السياسية، محذّراً من احتمال استنجاد حركة النهضة بخزانها من السلفيين ومعتبراً أن ذلك قد يُدخل البلاد في منعرج العنف الدموي، وهو ما قد يدفع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قرارات كحلّ البرلمان وتعليق العمل بالدستور.
العناد السياسي
في المقابل، قلّل الكاتب الصحافي والمحلل السياسي الحبيب بو عجيلة، لــ”اندبندنت عربية”، من خطورة ما تنوي النهضة فعله، معتبراً أن الاحتكام إلى الشارع آلية من آليات التعبير في الأنظمة الديمقراطية، ويستخدم لإسناد قضية ما، أو لاستعراض القوة من قبل المتخاصمين سياسياً.
وقال إن الشارع يستعمل في أحيان كثيرة من الجهات التي لا تريد أن تعترف بما أفرزته صناديق الاقتراع، أي الجهات الخاسرة في الانتخابات، لتثبت أن نتيجتها ليست حقيقية، مؤكداً أن المعارضة في تونس استخدمت الشارع خلال الأشهر الستة الأخيرة لتقول إن مخرجات صندوق الاقتراع غير واقعية، إلا أنها في الحقيقة “لم تتمكن” من حشد الأعداد الكبيرة التي ربما تغيّر المعطيات على أرض الواقع.
وبعد أن حذّر من عواقب العناد السياسي، أشار إلى أن دور الأحزاب تقديم المشاريع والبرامج والانشغال بتنفيذ ما قطعته من وعود انتخابية في حملاتها، لا تعبئة المواطنين في الشارع أو المناكفات السياسية.
رسائل إلى الداخل والخارج
واعتبر أن الشارع قد يصبح أداة لنسف مخرجات العملية الديمقراطية، لافتاً إلى احتمال أن ينزع نحو العنف وداعياً النخب السياسية إلى حل الأزمة الراهنة بالآليات الدستورية القانونية. وقال “حركة النهضة ومن خلال تلويحها باستخدام سلطة الشارع تريد أن ترسل رسالة إلى الداخل والخارج بأنها لا تزال حركة وازنة في المشهد السياسي”.
وتواجه الحركة القابعة في الحكم منذ سنة 2011 موجة من الانتقادات، بسبب فشلها في تحقيق رفاه التونسيين، ما دفع عدداً كبيراً من المواطنين إلى الخروج في تظاهرات، مطالبين بإنهاء حكم النهضة وحل البرلمان وتغيير منظومة الحكم.
وتذكّر دعوة حركة النهضة أنصارها للنزول إلى الشارع لمساندة الحكومة والبرلمان، بتصريح رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني، الذي أكد استعداد شباب الحركة للدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة بعد تفجّر الاحتجاجات الليلية في تونس والدخول في مواجهات مع قوات الأمن.
وتتمسك حركة النهضة بالحكم، على الرغم من تدهور جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وتدفع صراع رئيس الحكومة هشام المشيشي مع الرئاسة إلى أشدّه، من خلال إعلانها دعم الأول، بينما وضع قيس سعيد خيارين أمام المشيشي إما الاستقالة أو تغيير الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات فساد. ولا تزال الأزمة على حالها، وتنذر بتطورات خطيرة قد تدفع البلاد نحو المجهول
منقول من موقع اندبندنت عربية https://www.independentarabia.com/node/193446/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%84%D9%88%D8%AD-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%B9-%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%AA%D8%AE%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81