نشر أسماء المخالفين لأوامر الدفاع
طلب وزير الداخلية قبل أيام من الحكام الإداريين تكثيف الزيارات الميدانية العشوائية لمنازل الأشخاص المصابين والمحجورين للتحقق في التزامهم بالحجر المنزلي، وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية. كما طلب الوزير أن يتم نشر أسماء المحلات والمنشآت التجارية التي يتم ضبطها مخالفة للأوامر الصحية، وأن يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام. وقد أثار هذا القرار حفيظة الرأي العام، الذي اعتبر أن الإفصاح عن أسماء المؤسسات التجارية المخالفة ينطوي على نوع من التشهير بهم، وبأن هذا القرار يفتقر إلى مرجعية قانونية سليمة.
إن هذه الأقاويل والحجج الشعبية لا تقوم على أساس قانوني سليم ومستوجبة الرد. فحق وزير الداخلية في نشر أسماء المحلات التجارية المخالفة للتعليمات الصحية قد تضمنه أمر الدفاع رقم (17) لسنة 2020 الذي صدر لتعديل أمريّ الدفاع رقميّ (8) و(16) فيما يخص تغليظ العقوبات الجزائية على كل من يخالف التدابير الصحية المفروضة من الجهات المختصة. فالبند “خامسا” من أمر الدفاع رقم (17) ينص صراحة على أنه يجوز للوزير المعني نشر أسماء المنشآت التي يتم إغلاقها بموجب أي من أوامر الدفاع.
ويبقى التساؤل الأبرز حول مدى إمكانية نشر أسماء الأشخاص الطبيعيين المصابين بفيروس كورونا والمخالفين لأوامر الدفاع، ومدى قانونية الإعلان عنهم في وسائل الإعلام المختلفة أسوة بالمنشآت التجارية. فمن خلال استعراض أمر الدفاع رقم (8) لسنة 2020 نجد بأنه ينص صراحة في البند “ثانيا” منه على أنه يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي التعرض لخصوصية المصابين أو المخالطين أو المشتبه بإصابتهم بالوباء، وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة، كأسمائهم أو صورهم أو أماكن عملهم أو سكناهم، من خلال نشرها أو إعادة نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال، باستثناء الجهات المصرح لها بذلك.
إن هذا الحكم القانوني في أمر الدفاع السابق يضع قاعدة عامة مفادها أنه لا يجوز التعرض لخصوصية الأشخاص المصابين والمخالطين لهم ونشر أسمائهم وصورهم وأي معلومات خاصة بهم، إلا أنه يستثنى من تطبيق هذا الحظر الجهات المصرح لها بذلك. فهذه الجهات التي يثبت لها الحق في نشر أسماء المصابين والمخالطين يمكن تحديدها في بلاغ يصدره رئيس الوزراء تنفيذا لأمر الدفاع رقم (8)، وذلك في حال ثبوت مخالفة أولئك المصابين والمخالطين للتعليمات الصحية ذات الصلة بالحجر المنزلي.
وعن مدى تعارض هذا الإجراء مع الحق في الخصوصية، فإنه يمكننا القول بأن القانون الدولي لحقوق الإنسان قد أجاز تقييد هذا الحق في الظروف غير الاعتيادية. فالمادة (4/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 تجيز للدول الأعضاء وفي حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة والمعلن قيامها رسميا، أن تتخذ تدابير قانونية لا تتقيد بمقتضاها بالالتزامات المترتبة عليها بموجب هذا العهد.
إن حق الفرد في عدم التدخل في خصوصيته أو في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته قد ورد في المادة (17) من العهد الدولي الخاص، إلا أن هذا الحق يعتبر قابلا للتقييد، وليس من فئة الحقوق التي لا يجوز المس بها في الظروف الاستثنائية، كالحق في الحياة والحق في عدم الخضوع للتعذيب.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية