حل الأحزاب السياسية قضائيا
أثارت قضية إحالة لجنة شؤون الأحزاب السياسية في وزارة التنمية السياسية لحزب الشراكة والإنقاذ إلى القضاء والتنسيب بحله العديد من ردود الفعل السياسية والشعبية، والتي أدانت هذا القرار معتبرة أنه يشكل انتقاصا من الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها، والذي كرسته المادة (16) من الدستور.
وتستند لجنة شؤون الأحزاب السياسية في قرارها إلى وجود مخالفات قانونية ارتكبها أعضاء الحزب تتعلق بالتأخير في تزويد اللجنة بمعلومات حول موازنة الحزب المالية وقوائم الأعضاء وأسماء العاملين فيه. في المقابل، يتمسك الحزب بأن قرار إحالته إلى القضاء قد جاء نتيجة مقاطعته للانتخابات النيابية الأخيرة.
إن الحق في تأسيس الأحزاب السياسية، شأنه في ذلك شأن باقي الحقوق الدستورية، ليس مطلقا. فهو يخضع في ممارسته لقيود وضوابط قانونية، شريطة أن لا تخل بأصل الحق أو تمس أساسياته. فقانون الأحزاب السياسية الحالي رقم (39) لسنة 2015، قد حدد في المادة (34) منه طرق حل الحزب السياسي، وذلك بقرار قضائي صادر عن محكمة استئناف عمان، بناء على دعوى تقدمها لجنة شؤون الأحزاب، وذلك في حال مخالفة الحزب لأحكام الدستور، أو ثبوت ارتباطه بجهة أجنبية، أو قبوله تمويلا من جهة خارجية، أو إذا خالف أحكام القانون ولم يقم بتصويب المخالفة خلال ثلاثين يوما من تاريخ اشعار اللجنة له بذلك.
إن الجهة التي أناط بها القانون الأردني صلاحية حل الحزب السياسي هي القضاء، حيث كرس الدستور استقلاليته في المادة (27) منه بالقول أن السلطة القضائية مستقلة، بالإضافة إلى تكريس استقلالية القضاة أنفسهم في المادة (97) من الدستور التي تنص على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. فكأي نزاع يقوم بين الفرد والإدارة حول ممارسة الحقوق والحريات الدستورية، يتم اللجوء في حله إلى القضاء الوطني، الذي يفصل بين المتقاضين وفق أحكام القانون.
إن الصراع دائما ما كان وسيبقى بين الفرد والدولة فيما يتعلق بالحقوق والحريات. فالدولة تحاول أن تحد من ممارسة الفرد لحرياته الدستورية تحت مسميات مختلفة تتمثل بحماية النظام العام والأمن القومي، في حين يطالب الفرد بنطاق حرية واسع لا حدود له. وهذا النزاع لا ضير من حدوثه، طالما أن القانون قد حدد الجهة الوطنية التي تفصل فيه وتحمي الحقوق من عدوان الدولة عليها، وهو القضاء الوطني.
وفي هذا السياق، نقترح أن يتم تعديل قانون الأحزاب السياسية بحيث يعطى الاختصاص في الفصل في دعاوى حل الأحزاب السياسية للقضاء الإداري، وذلك نظرا للطبيعة الإدارية لطلب حل الحزب السياسي، وهو الحكم الذي كرسه قانون الأحزاب السياسية المصري، الذي أناط بالمحكمة الإدارية العليا مهمة النظر في طلب حل الحزب السياسي الذي يقدمه رئيس لجنة شؤون الأحزاب السياسية.
كما لا بد من التفكير في تقليل الفترة الزمنية المقررة للفصل في دعوى حل الحزب السياسي. فالقانون الأردني قد ألزم محكمة استئناف عمان أن تفصل في القضية المقامة أمامها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ورودها لقلم المحكمة. وهذه المدة طويلة نسبيا من شأنها أن تؤثر على سير العمل داخل الحزب السياسي، في حال ما تقرر رد الدعوى قضائيا.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية