هجرة “الأعيان” إلى السلطة التنفيذية   

صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على التعديل الثاني لحكومة الدكتور بشر الخصاونة، والذي كان اللافت فيه استمرار الرئيس في الاستعانة بأعضاء مجلس الأعيان لغايات تعيين الوزراء في حكومته. فبعد أن قام اختيار أربع من الأعيان ضمن أعضاء فريقه الوزاري عند تشكيل حكومته لأول مرة، نجده في التعديل الأخير يستعين بعضوين جديدين من مجلس الأعيان وزراء في حكومته.

إن ظاهرة انتقال أعضاء مجلس الأعيان من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية ليست بالجديدة، وليس هناك ما يعارضها من نص دستوري واضح وصريح. فالمادة (35) من الدستور قد أعطت الحق لرئيس الوزراء بأن ينسب إلى جلالة الملك أسماء أعضاء فريقه الوزاري للموافقة عليهم، كما أنه لا يشترط في الوزير في الأردن سوى شرط واحد، وهو أن يكون أردني الجنسية، وذلك عملا بأحكام المادة (42) من الدستور.

ومع ذلك، يبقى التساؤل الأبرز حول المبررات والدوافع التي تجعل عضو مجلس الأعيان على أتم الاستعداد لتغيير “موقعه الدستوري”، والانتقال من السلطة التشريعية التي يعمل فيها إلى السلطة التنفيذية ليكون ضمن الوزراء الذين يمارس جلالة الملك السلطة بواسطتهم وفق أحكام الدستور. فالسلطتان التشريعية والتنفيذية يجب أن تعاملان على قدم المساواة، وأن لا يتم تفضيل أي منهما على الأخرى، إذ أن لكل منها اختصاصاتها ومهامها الدستورية المناطة بها، فالسلطة التشريعية تصدر القوانين والسلطة التنفيذية تطبقها ضمن إطار ولايتها العامة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.

ومن خلال النظر إلى المركز القانوني لكل من العين والوزير في الدستور الأردني، نجد بأن الوضع الدستوري للعين لا يقل أهمية وعلو شأن عن الوزير العامل، ناهيك عن الامتيازات المالية والاجتماعية المقررة لعضو مجلس الأعيان، والتي تسمح له بالدوام بشكل جزئي في السلطة التشريعية. كما أن للعين سلطات وصلاحيات دستورية على درجة عالية من الأهمية تتمثل في مشاركة النواب المنتخبين التشريع، وممارسة بعض مظاهر الرقابة السياسية على الوزراء ضمن حدود السؤال والاستجواب.

وبخصوص مدة العضوية في السلطة التشريعية، فإن العين يستمر في عمله في المجلس الأعلى لمدة أربع سنوات ويجوز إعادة تعيينه بعدها، وهي المدة التي لم نعتد أن تستمر عليها الحكومات والوزراء في الأردن.

إن الصفات التي اشترط المشرع الدستوري توافرها في عضو مجلس الأعيان بأن يكون من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن، قد تقررت بهدف اعتبار هذا المجلس هو المجلس الأعلى في السلطة التشريعية، مجلس الحكماء والخبراء القادر على ممارسة رقابة على أعمال وقرارات مجلس النواب. فوجود شخصيات وطنية وازنة في هذا المجلس أمر في غاية من الأهمية لكي يتمكن من مباشرة الدور المأمول منه. وهذا الأمر لا يستقيم مع كثرة الاستعانة بالأعيان وتعيينهم وزراء في السلطة التنفيذية.

إن الدستور الأردني، وإن كان يجيز للعين أن يجمع بين العضوية في مجلس الأعيان والوزارة، إلا أن هذا الأمر غير متوقع الحدوث، حيث ستصدر الإرادة الملكية السامية بقبول استقالة الوزراء المعينين من مجلس الأعيان، وسيتم الاستبدال بهم أعضاء جدد ليلتحقوا بركب الأعيان في متابعة شؤون عملهم، وسيبقى الأمل يحذوهم بمنصب وزاري في السلطة التنفيذية.

 

 

* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

[email protected]

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى