المغرب تتسلح بمقاطعة اقتصادية واسعة ضد المنتجات الإسبانية و السبب الأزمة الدبلوماسية…. تفاصيل
أطلق نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، حملة لمقاطعة المنتجات الإسبانية، عقب تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد، على خلفية استقبال زعيم جبة البوليساريو الانفصالية، إبراهيم غالي، في إسبانيا من أجل العلاج.
ونشر النشطاء قائمة للمنتجات والسلع الإسبانية مرفقة بوسم (هاشتاغ) “مقاطعة_المنتجات _الإسبانية”، إلى جانب دعوتهم لمقاطعة وجهات إسبانيا السياحية التي يتدفق عليها المغاربة خلال فصل الصيف.
وتفاعل الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي خاصة موقعي فيسبوك و تويتر مع هذه الدعوة، وشارك عدد كبير منهم صورا للتعبير عن دعمهم للحملة وانخراطهم في مقاطعة البضائع الإسبانية في المغرب.
وتشهد الأسواق المغربية حضورا قويا للسلع التي تحمل علامة “صنع في إسبانيا”، من بينها منتجات غذائية وماركات للملابس الجاهزة ومنتجات إلكترونية وغيرها.
وتأتي خطوة المقاطعة في خضم تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا منذ أسابيع، بسبب استقبال مدريد لزعيم انفصالي جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، بجواز سفر مزور للعلاج، وقالت إنها فعلت ذلك لأسباب “إنسانية بحتة”، وهو ما وصفته الرباط بالازدواجية في الخطاب من طرف إسبانيا التي تستقبل على أراضيها متهما بجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
واتهمت مدريد الأسبوع الماضي الرباط بـ” الابتزاز” عبر تخفيف القيود والسماح لحوالى 8 آلاف مهاجر بالعبور نحو ثغر سبتة، في الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن اسبانيا فضلت التنسيق مع خصوم المملكة ضد مشاعر المغاربة، ولفت إلى محاولتها تحوير الاهتمام عن هذه القضية إلى قضية أخرى.
الورقة الاقتصادية
وعبر المغاربة عبر وسائط التواصل الإجتماعي، من خلال هذه الحملة عن دعم بلدهم في هذه الأزمة واستنكارهم لدخول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بهوية مزورة إلى اسبانيا، مؤكدين أن هذه الخطوة كانت السبب الحقيقي وراء تصاعد التوتر بين الرباط ومديد.
كما عبر النشطاء عن رفضهم لاستعمال السلطات الإسبانية العنف بشتى أنواعه لردع المهاجرين، ومنعهم من الوصول إلى مدينة سبتة الخاضعة للإدارة الإسبانية.
يقول رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات، أحمد الدرداري، إن المغرب يجب أن يستعمل جميع أوراقه للضغط على من يمس بوحدته الترابية أو يتواطأ مع أعدائه ضد مصالحه.
ويشدد الدرداري على أنه ينبغي على المغرب استعمال الورقة الاقتصادية للضغط على إسبانيا، ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، حماية مصالحها التجارية مع المغرب أو حماية زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي، وهو ما يعني خسارة شريك اقتصادي هام”.
ودعا الأكاديمي المغربي، إلى ضرورة تركيز المغرب على تقوية تعاملاته التجارية مع أسواق أخرى كالأسواق الآسيوية والبريطانية والأمريكية، مع الحفاظ على شراكته مع دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وغيرها من دول الاتحاد.
في المقابل، شدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، على أهمية تكثيف الاتصالات مع الاتحاد الأوروبي الذي تربطه شراكات اقتصادية قوية مع المغرب، بهدف تشكيل موقف موحد بين أعضائه في اتجاه حماية مصالح شريكه الاستراتيجي.
ويرى الدرداري، أن المملكة تملك جميع الصلاحيات التي تمكنها من التخلص من آثار الاستعمار الاسباني، وتتجه إلى اعتماد “الدبلوماسية الثنائية” عبر تعزيز علاقتها مع الدول التي تدعم مصالحها الاستراتجية بعيدا عن ازدواجية الخطابات أو المساس بوحدة الأراضي.
الشريك التجاري الأول
وتتصدر إسبانيا منذ سنة 2012 قائمة البلدان الأوروبية والعالمية كأول شريك تجاري للمغرب، بعد أن أزاحت فرنسا الشريك الاقتصادي التقليدي للمملكة، وفق معطيات رسمية.
وحسب بيانات صادرة عن مكتب الصرف المغربي، فإن قيمة المبادلات التجارية بين المغرب و اسبانيا بلغت 15 مليار دولار، سنة 2019، فيما بلغ رقم المعاملات التجارية مع فرنسا 13 مليار دولار.
ووفق أرقام لوزارة التجارة والاقتصاد المغربية، فإن المملكة سجلت عجزا تجاريا لصالح إسبانيا بقيمة 14.9 مليارات درهم عام 2017، في مقابل 6.3 مليارات درهم سجلت سنة 2010.
يؤكد رئيس معهد الدراسات والآفاق المغاربية الأوروبية كميل ساري، أن اسبانيا تصدر ما قيمته 114 مليار درهم إلى المغرب، وتعتبر بذلك أول مزود للمملكة بالبضائع، وهو ما يؤثر سلبا على الصناعة المحلية وبالاقتصاد المغربي.
ويضيف أستاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية بجامعة السوربون كما أن هذا البلد الايبيري يستثمر 50 مليار درهم في المغرب، محتلا بذلك المرتبة الثالثة بعد فرنسا من حيث حجم الاستثمارت في المملكة.
هل تفاقم المقاطعة الأزمة بين البلدين؟
ورحب كميل ساري، بالدعوة لمقاطعة المنتجات الإسبانية في المغرب، لأن ذلك يشكل ورقة ضغط قوية في ظل الأزمة التي تعرفها العلاقات بين البلدين، وهي الأزمة التي سلطت الضوء بحسبه على الكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي يتحملها المغرب من أجل حماية الحدود.
ويرى الخبير الاقتصادي أن المقاطعة تعد حقا مشروعا لأي شخص للتعبير عن موقفه إزاء قضية معينة، غير أنه يشدد على ضرورة أن تقتصر هذه المقاطعة على البضائع التي يتم استيرادها من إسبانيا نحو المغرب والتي يمكن تعويضها بمنتجات محلية الصنع وهو ما سيساهم في دعم الاقتصادي الوطني.
ويؤكد المتحدث أن نجاح هذه المقاطعة سيحمل موجة غضب على الحكومة الإسبانية من طرف المقاولات الإسبانية، التي تجمعها علاقة تجارية قوية مع المغرب، بالنظر للعديد من العوامل أهمها القرب الجغرافي.
في المقابل دعا ساري، إلى عدم مقاطعة المقاولات الإسبانية التي تستثمر داخل المملكة وعددها حوالى 600 شركة، وتساهم في خلق أزيد من من 20 ألف وظيفة.
من جهة أخرى، أبدى المحلل الاقتصادي علي بوطوالة، تخوفه من أن تساهم مثل هذه الحملات في تصعيد الأزمة بين الرباط ومدريد وأن تتسبب في تداعيات سلبية على المغرب مع شركيه التجاري الأول.
ولا يستبعد المحلل الاقتصادي فإن إطلاق دعوات مشابهة في إسبانيا من أجل مقاطعة البضائع المغربية، خاصة إذا لاقت الدعوة لمقاطعة المنتجات الاسبانية استجابة واسعة في المغرب، وهو ما سينعكس سلبا على الأخير.
ومن هذا المنطلق يعتبر المتحدث، أن مثل هذا النوع من التصعيد قد لا يخدم المصالح المشتركة للمملكتين، متوقعا أن يكون لهذه الحملة تأثير إعلامي وسياسي أكثر مما هو اقتصادي مباشر على كلا البلدين.