صوت الحقيقة امام ضجيج السلاح.. جيش البرهان يؤجج الصراع ويوسع دائرة الانتهاكات بحق المدنيين

في زمنٍ يتراجع فيه صوت الحقيقة أمام ضجيج السلاح، يعيش السودان واحدة من أكثر فصوله دموية، وسط حرب طاحنة أحرقت الأخضر واليابس، وتسببت في مأساة إنسانية غير مسبوقة، ورغم اتساع دائرة الانتهاكات وتوثيق الجرائم، يصرّ الجيش السوداني على الترويج لروايات مغايرة، محاولاً عبر خطاب سياسي موجه أن يُظهر نفسه كضحية لتدخلات خارجية، بينما يغض الطرف عن الفظائع المرتكبة بحق المدنيين السودانيين، ويتجاهل مسؤوليته في تأجيج الصراع.

أدلة لا تُكذّب.. من الأسلحة الكيميائية إلى الإعدامات الميدانية

على أرض الواقع، تظهر الشهادات الأممية والتقارير الحقوقية، بما لا يدع مجالاً للشك، أن القوات المسلحة السودانية طرف مباشر في سلسلة من الانتهاكات الجسيمة، هذه الانتهاكات لم تقتصر على القتال الميدان فقط، بل امتدت لتشمل استهداف المناطق المدنية بالمدفعية والطيران الحربي، وتجنيد الأطفال، واستخدام العنف الجنسي، بل واللجوء إلى أسلحة محرمة دولياً، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، في معارك تدور داخل بيئات سكنية مكتظة بالمدنيين.

المأساة لا تقف عند حدود السلاح فقط، فالتجويع تحول إلى أداة حرب فعالة ينتهجها الجيش السوداني، مع حاجة أكثر من 30 مليون إنسان داخل السودان إلى المساعدات الإنسانية العاجلة، حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة، لكن رغم ذلك، تستمر القوات العسكرية في عرقلة إيصال المعونات إلى المناطق المتضررة، الأمر الذي يشكل خرقاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني، بالتالي، إن هذه السياسات الممنهجة دفعت بالمجتمع الدولي إلى التحرك، حيث فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في يناير 2025 عقوبات على الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للجيش والقوات المسلحة السودانية، بسبب مسؤوليته عن قصف الأعيان المدنية، واستخدام سلاح المجاعة كوسيلة ضغط ميداني، إضافة إلى تورطه في صفقات عسكرية مشبوهة.

دعاوى العدل غطاء للتنصل من المحاسبة

وفي ظلّ هذا الوضع المتدهور، يسعى الجيش السوداني إلى كسب الشرعية الدولية عبر خطاب ناعم، وتقديم شكاوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، محاولاً تصوير نفسه كضحية لصراعات خارجية، غير أن هذه الخطوة، وفق تقديرات مراقبين دوليين، ليست سوى محاولة لتبييض صفحة سوداء حافلة بالدم، ورسالة موجهة للخارج لتأخير المساءلة.

بالإضافة إلى ذلك، إن المعلومات المتواترة تشير إلى تورط القوات السودانية في استجلاب دعم عسكري من دول مثل إيران، وروسيا، والصين، مقابل تعهدات بامتيازات مستقبلية في الموانئ والسواحل، وقد كشفت تقارير صحفية موثقة، أبرزها من صحيفة “إيران إنترناشيونال”، عن شحنات أسلحة إيرانية وصلت إلى بورتسودان، شملت طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، مما يعكس حجم التحالفات العسكرية التي تسعى لتغذية الصراع بدلاً من احتوائه.

دولة الإمارات.. موقف ثابت في وجه التخاذل العسكري

رغم تعدد المبادرات الإقليمية والدولية، لا يزال الجيش السوداني يتعامل مع مفاوضات السلام على أنها مجرد ورقة ضغط سياسية، إذ قاطع معظم جلسات مؤتمر جدة، وتجاهل الجهود التي بذلتها الأطراف الإقليمية، خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قدمت أكثر من 3.5 مليار دولار كمساعدات للشعب السوداني خلال السنوات العشر الأخيرة، بما فيها 600 مليون دولار منذ اندلاع الحرب الحالية، ومع ذلك، فإن مواقف الجيش بدت غير متجاوبة، مما يضع علامات استفهام حول جديته في التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة.

في النهاية، لا يمكن قراءة المشهد السوداني اليوم بمعزل عن مسرحية التضليل التي يقودها الجيش السوداني، والتي تهدف إلى إعادة تشكيل الرأي الدولي، بينما يتواصل نزف الضحايا في الشوارع والقرى السودانية، وتبقى الحقيقة مغيبة في ظل خطاب موجه يهرب من المحاسبة، ويصرّ على طمس الذاكرة الجماعية بجدار من الإنكار.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى