عندما تبني حُلماً فيغيبُ سندك .. قصة أبناء الشهيد أحمد المنسي
غزة -إيمان المصري- سجود قاعود
سارة وهالة طفلتا أحمد المنسي تقطنان في منطقة “قليبو” شمال قطاع غزة، افتتح والدهما قناتهما الخاصة على يوتيوب اسماها “سارة وهالة ستارز” ، يقوم بنشر الفيديوهات الترفيهة له معهن.
اخر الفديوهات التي تم تصويرها ، هي رحلتهم لشراء ملابس العيد، كانت رحلة عائلية مليئة بأجواء الحب والحنان، استطاعوا اختيار ما يردوا ليظهروا بشكل لائق خلال ايام عيد الفطر السعيد.
لكن من منا كان يعلم ان في ٢٨ من شهر رمضان المبارك ستشن قوات الاحتلال حرب عسكرية ضد قطاع غزة، وستحرم الاطفال من ممارسة اجواء عيد الفطر.
كانت اجواء العيد في بيت سارة وهالة المنسي كباقي أسر القطاع، قصفٌ ودمار من كل مكان، لكن حضن الاب يخفف من عبء هذا التوتر، فكانوا سرعان ما يحتضنون والدهم عند سماع قصف قريب.
ومع ازدياد وتيرة القصف، ارسل احمد المنسي زوجته واطفاله( هالة، مالك، سارة) الى بيت عائلة زوجته، لحمايتهم من اي قذيفة مباشرة او غير ذلك، قضي اليوم الاول والثاني بسلام، لكن اليوم الثالث كان بمثابة نقطة تحول في حياة الاطفال.
القصة بدأت من منزل حامد المنسي شقيق والد هالة وسارة المنسي ، والذي بدوه يقطن بالقرب من مسجد ” قليبو” الواقع شمال القطاع، ويفصل منزله عن المسجد شارع ترابي واحد، اما منزل عائلة المنسي فيبعد اكثر عن المسجد بمسافة شارعين.
عند الساعة ال١١ ليلاً، شنت قوات الاحتلال ٣٣ غارة اسرائيلية على المسجد ومحيطه، مما ادى الى تضرر منزل عائلة حامد، فقرر ارسال أطفاله وزوجته الى منزل عائلته لينقذهم من هول القصف، ولم يكن يعلم ان اخوته ركضوا مسرعين للاطمئان عليه، حينها كانوا هم الهدف.
رأى حامد أخوته في ساحة منزله ينتظرون وصوله، ولم يفصل بينه وبينهم سوا عشر أمتار، غارت طائرة استطلاع اسرائيلية بصاروخ واحد على أخوة حامد، وهم والد سارة وهالة ” احمد المنسي” واخوه ” يوسف المنسي”.
لم يدرك حامد ماذا حدث الا انه سمع صوت انفجار ضخم ثم غبار في كل مكان، لم يعد يرى اخوته، وعندما ذهب اليهم وجدهم أشلاء.. نعم أشلاء.
صرخ حامد بأعلى صوته ” اتصلوا بالاسعاف، اخوتي اخوتي” فسرعان ما استجاب الجيران لندائه واتت سيارات الاسعاف مسرعة للمكان، استشهد اخاه احمد على الفور، اما يوسف فقد نال شرف الشهادة وهو داخل المستشفى الاندونيسي الذي كان يتلقى الرعاية المركزة فيه.
عند دخول حامد وجثامين اخوته، كان اخاه الصغير ” محمد” يوثق جرائم الاحتلال وتصوير ما يقصف به المواطنين الابرياء، واثناء تغطيته فوجئ بدخول أثنين من اخوته شهداء أشلاء، اصيب احمد بحالة انهيار عصبي لم يتمالك نفسه وقام بترجي الطاقم الطبي لدخول معهم داخل غرفة العمليات، ورغم هذا الابتلاء الشديد الذي نزل عليه، قان بتصوير فيديو يروي فيه ماذا حدث مع أخوته.
لسوء حظ والد شهداء عائلة المنسي الحاج(حاتم المنسي)، كان في رحلة لدولة مصر الشقيقة، وما كان الا ان تلقى هناك خبر استشهاد اثنين من ابناءه، وبعد انتهاء العدوان وصل الى قطاع غزة وتظهر عليه حالة صدمة شديدة، ومشاعر مختلطة، فإيمانه بالقضاء والقدر كان كبيراً واحتسبهم شهداء عند الله سبحانه وتعالى، ولكن في نفس الوقت ألم الفراق والفقد كانت هي المسيطرة على ملامحه.
يقول الوالد ان ابنه يوسف كان يعتني بخلية نحلية اثناء سفره، وكان يهتم لامرها بشكل كبير، وعند استشهاد يوسف ووضعه في القبر، اتت نحلة الى قبر يوسف تحفر بجانب القبر تريد الدخول، هذا مشهد لن ينساه الوالد على الاطلاق على حد تعبيره.
اما الطفلتان سارة وهالة واخاهم مالك، فاصبحوا في رعاية جدهم وأعماهم، كانوا لهم الاب والعم والجد في نفس الوقت، ووعدوا الاطفال بإستمرار قناتهم على اليوتيوب ونشرها لاكبر عدد ممكن ، فهذا ما كان والدهم يتمنى.
قصة سارة وهالة ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، فالاحتلال لا يرحم صغيراً ولا كبيراً، قوياً او ضعيفاً، مدني ام عسكري، فهو يعتبر ان جميع سكان قطاع غزة هم ارهابيون، ولا يرون الاسلحة التي يقذون بها على القطاع والتي تسبب تشوهات واختفاء لملامح الشهداء، عن اي ارهاب تتحدثون؟!