ورحلت لميعة عباس عمارة أيقونة الشعر النسائي العراقي
بقلم: شاكر فريد حسن
رحلت عن عالمنا الشاعرة العراقية المعروفة لميعة عباس عمارة في مغتربها الأمريكي، تاركة وراءها إرثًا شعريًا وأدبيًا هائلًا.
ولم تعرف الراحلة لميعة -كما تقول- منشأً غير الطين الرافديني في جنوب العراق، ولا أصلًا غير الجذور السومرية.
تعد لميعة عباس عمارة أحد أيقونات واعمدة الشعر النسائي العراقي المعاصر، ومن أعلام ورموز القصيدة العربية الحديثة، وشكلت علامة مضيئة وفارقة في الثقافة العربية، وشيدت قصيدة الأنوثة والبوح والاعتراف في خريطة الشعر العراقي والعربي الحديث. وتمثل قصيدتها المسكونة بالمشاعر الأنثوية الجياشة وجماليات الحب والغزل، وعيًا جديدًا وانفتاحًا متنورًا كسرت معه الكثير من التابوهات وتقاليد المجتمع والنمطية.
وتنتمي لميعة عمارة لجيل متمرد ومغامر يتمثل بشعراء الحداثة الأوائل، كالسياب والبياتي ونازك الملائكة، وكانت أكثرهم انشدادًا لمفاهيم الحرية والثورة والتمرد والبحث عن رؤى وأفكار ولغة جديدة، والأقدر على البوح وصياغة مشاعر أحاسيس الأنثى المختلفة.
وربطت لميعة بشاعر المطر بدر شاكر السياب، الذي كان زميلًا لها في دار المعلمين العالية، علاقة تجاوزت درجة الاعجاب إلى الحُبّ، وكانت مصدر الهام حقيقي للسياب، الذي كان “يبحث عن القلب الذي يخفق بحبّه، دون أن يجده على حد قول الناقد احسان عباس. فقد كانت لميعة في شبوبيتها صبية جميلة فاتنة إلى أبعد الحدود، فأفتنن بها أيما افتتان، واعترفت أنها أهدته قصيدة “شهرزاد” وهما في الجامعية، تقول فيها:
ستبقى ستبقى شفاهي ظِماءْ
ويبقى بعينيَّ هذا النداء
ولن يبرح الصدرَ هذا الحنين
ولن يُخرس اليأسُ كلَّ الرجاء”
وبعد قرن على رحيل السياب كتبت قائلة:
“يوم أحببتك أغمضت عيوني
لم تكن تعرف ديني
فعرفنا وافترقنا دمعتين
عاشقا مُتَّ ولم تلمس الأربعين”
ومما قاله السياب وهو على فراش المرض في لندن عاصمة الضباب:
ذكرتك يا لميعة والدجى ثلج وأمطار
ولندن مات فيها الليل مات تنفس النور
رأيت شبيهة لك شعرها ظلم وأنهار
وعيناها كينبوعين فى غاب من الحور
مريضا كنت تثقل كاهلى والظّهر أحجار
أحن لريف جيكور
وأحلم بالعراق وراء باب سدّت الظلماء
بابا منه و البحر المزمجر قام كالسور
على دربي
و في قلبي
وساوس مظلمات غابت الأشياء
وراء حجابهن وجف فيها منبع النور
ذكرت الطلعة السمراء
ذكرت يديك ترتجفان من فرق ومن برد
تنز به صحارى للفراق تسوطها الأنواء
ذكرت شحوب وجهك حين زمر بوق سيّارة
ليؤذن بالوداع ذكرت لذع الدمع في خدّي
ورعشة خافقي و أنين روحي يملأ الحارة
بأصداء المقابر والدجى ثلج وأمطار
ووفق أقوال الباحثين والدارسين والمقربين من السياب أن قصيدته الشهيرة “أنشودة المطر” افتتحها متغزلًا بعيني لميعة، حيث يقول:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ
أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القمرْ
عيناكِ حين تبسمان تورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ، كالأقمارِ
في نهَرْ يَرُجُّهُ المجذافُ
وهْنًا ساعة السَّحَرْ
كأنَّما تنبضُ في غوريهما، النّجومْ
وللميعة عباس عمارة 7 دواوين شعر، وهي:” الزاوية الخالية، عودة الربيع، أغاني عشتار، يسمونه الحب، لو انبأني العراف، البعد الأخير، وعراقية.
وتتصف أشعار لميعة بجرأة فائقة، ورومانسية مرهفة ممزوجة بالحسية، وبحب الطبيعة والحياة المتوهجة، ولغة عذبة حتى الدهشة والجمال التعبيري والفني، ومحكمة المفردات والتراكيب والصياغات الشعرية.
ومن جميل شعرها في الحُبّ والغزل، قولها:
أحتاج إليك حبيبي الليلة
فالليلة روحي فرس وحشية
أوراقُ البردي
أضلاعي.. فَتِّتْها
أطلِقْ هذي اللغةَ المَنسيّة
جَسَدي لا يحتملُ الوَجْدَ
ولا أنوي أن أصبحَ رابعةَ العدوية
لميعة عباس عمارة ابنة النضال، وشاعرة الحب والرومانسية والرقة والجمال، وملهمة السياب في شعره النابض والمتدفق، وداعًا، وسوف تخلدين بشعرك العذب وشاعريتك الشفافة وبمواقفك الوطنية الجذرية، وانتمائك الراسخ لوطن الرافدين.