الحال الفلسطيني بعد العدوان على غزة
بقلم: شاكر فريد حسن
من نافلة القول أنّ المنازلة والمواجهة العسكرية التي وقعت في أيار الماضي بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة،لم تكن متكافئة، وجرت بين أعتى قوة في المنطقة تملك ترسانة عسكرية هائلة، ومدعومة سياسيًا ولوجستيًا وعسكريًا من أكبر قوة اقتصادية في العالم، وهي الامبريالية الامريكية، وبين فصائل فلسطينية نجحت في تطوير آلياتها وأدواتها العسكرية، واستطاعت الصمود والمقاومة، وبما تملكه من قدرات عسكرية متطورة، وإرادة وطنية، ومن مقومات الصمود والمواجهة، ورفض الاحتلال وشروطه وإملاءاته السياسية.
وفي الوقت ذاته لا يمكننا اختزال المواجهات في الجانب العسكري فحسب، وتجاهل عوامل أخرى كانت داعمة لهذا الصمود واستمرارية هذه المواجهة، وهي مدينة القدس التي شكلت وسبب المواجهة، وما حدث من احتجاجات في الشيخ جراح وباب العامود وباحات مسجد الأقصى، وما رافق ذلك من أداء إعلامي فلسطيني بالتأكيد على أن القدس هي روح الشعب الفلسطيني وعنوانه وكينونته، وإنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه، والمقاومة هي جزء من معادلة الصراع المتواصل بين شعبنا وسلطات الاحتلال، فضلًا عن تجمعات وأماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الداخل عام 48، وفي الضفة الغربية والمنافي القسرية، حيث توحد الكل الفلسطيني في أبهى وأروع صور الوحدة والتلاحم الكفاحي الحقيقي.
وفي المقابل، فللأسف الشديد أن أداء القيادة الرسمية والسياسية الفلسطينية لم يرتقِ إلى مستوى الأحداث والتحديات المطلوبة، بل كان اداءً رديئًا وهزيلًا للغاية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن فشل الحوار الوطني الفلسطيني وتعثر اجتماع القاهرة، يعود بالأساس إلى اختلاف الرؤى وعمق الخلافات على الخطوط العريضة لجدول الاعمال والنتائج المتوقعة، والمسؤولية عن ملف إعمار غزة.
القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة بعيد العدوان العسكري على قطاع غزة، واعتقدنا أن الأمور ستتغير إلى أفضل وتكون مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك، وأن يتم استثمار نتائج معركة الصمود في غزة، لصالح القضية الوطنية لشعبنا، ولكن الفصائل المسؤولة عن انقسام الشارع الفلسطيني وعن استمرار حالة الشرذمة ما زالت تقف عقبة كأداء أمام انجاز وحدة الشعب الفلسطيني وتعميق لحمته الوطنية.
لقد أصبحنا الآن أمام وضع جديد يتطلب استخلاص الدروس والعبر من المواجهة الأخيرة، ومما حدث ويجري على أرض الواقع من تداعيات الانقسام المتواصل وآثاره السلبية المدمرة، وعلى ضوء التعاطف والتضامن الكوني الواسع مع شعبنا الفلسطيني، أكثر من أي وقت مضى.
لقد كشفت المواجهة الأخيرة عمق أزمة القيادة السياسية الفلسطينية، وأكدت أهمية وضرورة وجود قيادة ميدانية للمقاومة الشعبية، وتطور الأحداث يحتاج إلى إعادة الاعتبار للمشرع الوطني الفلسطيني التحرري ولمنظمة التحرير الفلسطيني كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وأعادة بنائها وتجديدها وتفعيلها، وبناء ائتلاف فلسطيني بديل، وتشكيل لجنة مشتركة من جميع الفصائل الفلسطينية للإشراف على عملية إعمار غزة.