هالولد مش تبع دراسة…..بعبع التوجيهي
بقلم : منال كشت
لم يستطع أحد يوما أن يقنع الحجة أم ابراهيم أن ابنها الأوسط “مش تبع دراسة”، فتغضب وترد ثائرة: “ما في حدا مش تبع دراسة، إخوانه واحد محامي وواحد مسؤول كبير وأخواته معهن شهادات جامعية عالية، بدو يدرس غصب عنه”. ويستمر الحال على هذا الموال حتى يستنفد كل فرصه في التقدم لامتحان الثانوية العامة تحت كل المبررات والظروف وتنتهي الأمور بنفس النتيجة “الولد مش تبع دراسة”.
وتمر السنوات فنجد أن ذلك “الولد” اياه قد أصبح صاحب تجارة خاصة، رجلا مشهورا ذا سمعة طيبة في مجال عمله محاطا بالمعارف والأصدقاء المعروفين والمحترمين ويقضي معظم أيامه بالسفر من دولة الى اخرى لإبرام الاتفاقيات التجارية والصفقات التي تعود بالمنفعة الشخصية عليه وعلى مجتمعه وربما على الاقتصاد الوطني على الرغم من كل دعوات الوالدة عليه لانه “ما كمل دراسته”.
نظرة أم ابراهيم لا تختلف كثيرا عن نظرة العديد من أولياء الأمور الذين يرون في امتحان الثانوية العامة المؤشر الوحيد على نجاح ابنائهم، وكونه الخطوة الاولى في سلم النجاح الذي يتمنونه لهم. من غير المنصف لوم الأهل وحدهم على ذلك، فلقد خلق النهج الحكومي المتعاقب على مر السنوات في وزارة التربية والتعليم ذلك “البعبع” المدعو شهادة الثانوية العامة مما أوجد حالة من الذعر والضغط النفسي لدى العائلات التي يتقدم ابناؤها للامتحان بانتظار فرج الخروج من عنق تلك الزجاجة المرعبة.
ولكن من المهم اليوم الإشارة الى أهمية توجيه الجهود الكبيرة لوزارة التربية والتعليم لتجاوز الصورة النمطية السائدة فيما يتعلق بنتائج امتحانات الثانوية العامة ودعوتها لاولياء الامور بالسماح لابنائهم بالحركة خارج الصناديق التي اوجدوها لهم، من باب الحب والحرص عليهم، والاهتمام برغبات الابناء وتنمية مواهبهم الكامنة واصفا اياهم بالكنز الذي يحتاج الى توفير كل الدعم والثقة لتخطي العقبات والوصول الى النجاح.
ففي الوقت الذي يتمنى فيه الاهل حصول فلذات اكبادهم على معدلات عالية بعد جهد كل هذه السنوات للالتحاق بالكليات المرموقة الا أن ذلك قد يتسبب بالمزيد من الضغط على الابناء الذين قد يرغبون بالالتحاق بتخصصات تختلف كليا عما قد رسمه الاهل لهم. ربما حان الاوان للأهل ان يتفهموا هذه الحقيقة وان اجتياز امتحانات الثانوية العامة ليس الحل الاوحد، لذلك كان لا بد من تغيير الموروث المجتمعي الذي يربط النجاح بمرحلة الثانوية العامة دون غيرها.
الاهالي الاعزاء، وخصوصا الامهات، نحن لا نساير العصر اليوم لا بل نسابقه لذلك يتعين علينا ان نهيئ ابناءنا لزمان غير زماننا لبناء هذا الوطن، فالوطن يحتاج الى الطبيب والمهندس والمخترع بنفس الدرجة التي يحتاج بها الى المعلم والمزارع والمصمم. ما تقمن به من دعم وصبر وسهر مع ابنائكن لا يقدر بثمن وتستحققن لذلك كل الاكبار والاجلال ولكن احيانا، ربما احيانا، فلنتفكر بمقولة “هالولد مش تبع دراسة” وندعم قرارات أولادنا لما فيه مصلحتهم.