نجاح السيناريو الملكي ومستقبل الإقليم
كتب أ.د. محمد الفرجات
تتابع مراكز صناعة القرار عربيا خاصة وفي الشرق الأوسط عامة سير وحصاد الزيارة والمباحثات الملكية لواشنطن، سيما وأن العالم يستقبل إدارة أمريكية جديدة، مغايرة تماما لسابقتها، والتي تنكرت لقضايا مصيرية كالتغير المناخي ودور الولايات المتحدة في قضايا السلام، وتحولها لعقلية البزنس والربح المباشر والصفقات، وليس آخرها صفقة القرن.
المحيط حاله لا يسر، ففي الأراضي المحتلة تتصاعد الأزمة وتصل الذروة كثيرا على شكل حروب شرسة ضد شعب مسلوب الحرية لأنه ينتفض لإحتلال المزيد من أراضيه، وفي لبنان تفشل الحكومات والمواطن بلا كهرباء ولا وقود ولا رواتب ونقص الغذاء والدواء تهدد البلاد، وسوريا التي نهشتها الحروب تحاول الصمود وإعادة الإعمار والطريق طويل جدا، أما العراق فما زال يئن تحت وطأة صعوبة السيطرة أمنيا وفشل الإدارة المحلية.
القوى الإقليمية تتنافس في المنطقة، فإيران وتركيا وإسرائيل تحاول بسط نفوذها بشكل أو بآخر، وحروب التعطيش تسود المشهد في مصر والسودان أمام قضية سد النهضة المعروفة، وفي سوريا والعراق المشهد ليس بأفضل حال أمام السدود التركية التي تقلل التدفق النهري في أراضي هذه الدول.
صفقة القرن ورؤية نتن ياهو الساقط في كيانه ونظرته التوسعية الخطيرة، هددت مستقبل المنطقة، وكان يستند إلى الدعم من ترامب الذي كان ينظر للمنطقة بطريقة البزنس، وإستطاع بإسناد من الأخير بناء علاقات تطبيع مع الخليج بشكل أو بآخر، مما عرض القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني للمغامرة والتلاشي.
وطنيا وفي السنوات الأربعة الأخيرة، وبجانب الوباء وآثاره الإقتصادية والنفسية والإجتماعية الصعبة في آخر عامين، فلقد تم تضييق الخناق على الأردن، وظهر جليا بأن أصحاب صفقة القرن يجدون الملك عبدالله الثاني القلعة المنيعة ضد المشروع التهويدي الخطير، ويفعلون كل ما يمكنهم لدك جدران هذه القلعة؛ تضييق إقتصادي، إشاعات مفبركة، فتن، تضييق سياسي، … إلخ.
السيناريو الملكي تميز بالذكاء والعبقرية أمام هذه التحديات، فبالإضافة لعدم الإستجابة لرغبات وضغوطات الدول العظمى بدخول العمق السوري وحربا لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فلقد ناور بالتكتيك للخروج من هذه العاصفة الشديدة ثلاثية الأبعاد على بلادنا (تضييق سياسي وإقتصادي ونفسي)، وكان موقف الملك صانع القرار صلبا ومعلنا بأننا نرفض صفقة القرن ولن نرضخ للضغوطات، ومقابل ذلك والأهم، فلقد كان على ذات صانع القرار تجنيب البلاد التي تجابه قوى عظمى وقوى إقليمية خطر الإنهيار سياسيا وإقتصاديا.
سنوات كانت شاقة وطويلة وليست بالسهلة، تحمل فيها الملك الإشاعات المصطنعة والفتن العابرة للحدود، وتعايشت البلاد مع الشح الإقتصادي، والذي ظهر على شكل أزمة فقر وبطالة وأعراضها التي بتنا نعيشها يوميا.
الملك كان يدرك تماما بأن العاصفة ستزول، وإستمر في معركته يشد من أزر شعبه ويرفع المعنويات، وبجانب ذلك يضبط موازين الأمور الداخلية، حتى لا نؤتى من ثغرة غير محسوبة، وكان ذلك إستمرارا لحربه على الإرهاب المعنوي والمادي، وتجنيب بلاده المد الداعشي، ولطالما سمعنا ببطولات قواتنا المسلحة على حدودنا الشرقية والشمالية، والتي لازمت توجيهات القائد الأعلى للقوات المسلحة.
اليوم وبعد نجاح الديمقراطية بمعناها الحقيقي أمريكيا، والممثلة بشخص بايدن في دولة تعد بقارة من حيث المساحة والسكان، وأول قوة عالمية بلا منازع، فالإدارة هناك تبدي سرورها بالعمل مع القيادة الأردنية لإعادة التوازن والإستقرار في المنطقة، لا بل وتثمن هذا الدور، وبلا أدنى شك فإن واقع الحال في الإقليم والمحيط لا يسر أحدا كما أسلفنا، وبحاجة لمداخلات جراحية معقدة لإعادة وضبط الإيقاع.
الإدارة الأمريكية الجديدة أبدت سابقا توجهها لوضع ثقلها سياسيا لقضايا مصيرية أمام مستقبل تفوق الولايات المتحدة العسكري والإقتصادي، مقابل قوى روسيا والصين، وكان وعلى ما يبدو بأن محيطنا ليس أولوية، فإستطاعت الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك جذب إنتباه بايدن نحو أهمية إستقرار المنطقة.
صمود الملك ورسمه للسيناريو الذي تعايش فيه الأردن مع تبعات رفض صفقة القرن، ومع أزمة الوباء التي فاقمت الأمور، ونجاحه في توجيه إهتمام العملاق العالمي نحو المنطقة وسبل إستقرارها، تعد أمورا تستوجب التوقف عندها، وذكر دوائر قرار ومتابعة وطنية متزنة أسندت وتساند الجهد الملكي، كالمخابرات العامة والديوان الملكي ومكتب الملك.
الدعم الشعبي لمواقف الملك كان وما زال سببا هاما للنجاح، والدولة الأردنية تستمر بدورها الإقليمي بقيادة ملك وقائد عسكري مر.