تتن العزيزة علي لي فيها ذكريات، فما القادم؟
كتب أ.د. محمد الفرجات
في أحد أشهر الصيف عام ١٩٨١م كان والدي رحمه الله تعالى ضابط صرف يتجول على مخافر لواء العقبة (قبل أن تصبح محافظة)، وكان برتبة ملازم ثاني بنجمة واحدة وعن أقدمية، حيث دخل هذا الجهاز العزيز على قلوبنا عام ١٩٥٨م برتبة شرطي بعمر ١٦ عام فقط، وكان ضابط الصرف وحسبما أذكر في عهد الباشا عبدالرحمن العدوان اطال الله عمره، والذي كان مديرا لشرطة العقبة في حينه، وقد أوكل لوالدي رحمه الله تعالى لخبراته وصلابته وحزمه شرطة النجدة وتدريب الرماية والسباحة ومديرا لسجن العقبة في آن واحد، فهذا الملازم الثاني جاء للعقبة برتبة وكيل من مدرسة تدريب الشرطة في الزرقاء، وكان فيها مدربا حازما شديدا يشار له بالبنان في الضبط والإنضباط والناحية الأمنية، ممزوجة بقيم وأصالة جهاز الأمن العام الإنسانية.
كنا الأولاد في البيت أطفالا بعمر خمسة وستة وسبعة أعوام وثمانية، وكنا لا نعرف الحلاقة إلا على الصفر، ونصحو باكرا جدا، والمدرب رحمه الله تعالى يبث فينا الصلابة وقيم الأمانة والرجولة.
المدرب الذي كان يصرف رواتب أفراد وضباط كل شرطة لواء العقبة، ويصل فوقها مخفر باير ومخافر وادي عربة، وقبل نشوء عملية إيداع الرواتب عبر البنوك، كان يتعمد إستلام راتبه آخر شيء، فيتحمل أي نقص من راتبه الذي كان آنذاك حوالي ٨٥ دينار فقط، وإن كان هنالك زيادة يعمل بها ضبطا ويرفقها لمالية الأمن العام، بينما النقص يتحمله بصمت.
رافقت والدي رحمه الله تعالى ليلا إلى مخفر تتن شرق العقبة، وكانت الطريق طويلة وغير معبدة، ولا يوجد طريق أصلا، فعلى سائق اللاندروفير إختيار المسار بين الجبال وعلى ضوء ترى أمامه أرانب برية تتراكض وتهرب عن السيارة.
وصلنا تتن، ودخلنا المخفر الواقع على حدودنا مع السعودية، ولاقوا الشرطة والبادية هناك ضابط الصرف “الله حي أبو أمجد، الله حي الضيف”، ووزع الرواتب تبعا للكشوفات، وشربنا الشاي تحت نجوم تتلألأ وصمت لا يشبهه سوى هدوء المجرة.
وفي طريق العودة رسخت تتن المحاطة بجبال القرانيت في داخلي، وكان لا بد من العودة يوما ما.
في عام ٢٠٠٥م عدت إلى تتن لأشرف على رسالة طالبي الليبي رياض عمر، والذي تناول في رسالته موضوع إستكشاف حوض تتن الرسوبي وإمكانيات المياه الجيوفية جيوفيزيائيا، وبرفقة صديقي البروفيسور Prof-Hani Al Amoush ، وكانت من أروع الرسائل في هذا الحقل، وإنبثق عن دراستنا قبل ذلك لتتن بحثا منشورا في إحدى المجلات العلمية.
قبل يومين تواصل معي صديقي الصحفي عمر طالب الصمادي ، وأعلمته برغبتي في العودة إلى تتن لإعلان مسار سياحي آثاري وآخرا جيولوجي بيئي فريدين من نوعيهما.
بالتأكيد فإن دائرة الآثار في العقبة مدعوة وكذلك مديرية السياحة، وكل من يرغب في المشاركة من أبناء العقبة المكرمين، ويتوجب علينا إعلام عطوفة محافظ العقبة في هذا الشأن، وأترك للأخ الصحفي عمر الصمادي تبني هذه الترتيبات.