شذرات عجلونية (30)
الدكتور: علي منعم القضاة
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سويا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
دين الدولة لا يهضم الناس حقوقها
كثر اللغط، وازداد الخوض في تغيير الدستور، أو تغيير المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، وهل تطبيق الإسلام يكون بشعارات مكتوبة، أم بتطبيق فعلي في كل مناحي الحياة، دين الدولة (الإسلام)؛ لا يعني أن يكون خطيب الجمعة هو رأس الدولة، ولا إمام التراويح، أو أي شيء يعبر عن شكل من أشكال الحياة الإسلامية العربية. عندما ينص دستورها على دين الدولة، أو دين رئيس الدولة هو الإسلام، فهذا شيء طبيعي لأن معظم سكان الأردن مسلمين، وهذا النص موجود في كل دساتير الدول المتقدمة التي يصلي لها العلمانيون، والمتلفتون الذين يظنون أنهم متحررون، أو ليبراليون.
الأردن ليس دولة بِدعاً من الدول
بكل تأكيد لا يعني أن يقول الدستور أن دين الدولة الإسلام؛ إن المواطنين من ديانات أخرى، مواطنون من الدرجة العاشرة، بل هم مواطنون من الدرجة الأولى لهم كامل الحقوق والامتيازات، وعليهم كل الواجبات المطلوبة من المواطنين، كما هو الحال في الأردن، إذ نتعايش مسلمين ومسيحيين أصدقاء، وجيران، منهم أساتذتنا، وفيهم طلبتنا، نشاركهم حياتنا، ومناسباتنا ومناسباتهم بكل ودّ، وحسن جوار ليس بيننا ما يعكر صفونا إلا من لا يستطيعون أن يرتقوا بأنفسهم إلى مستوى تعليمات الدين، من يفهم الدين يعرف أنهلا إكراه في الدين، من يعتقد بالإسلام يعلم أنه: ذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر.
نصت دساتير دول غربية، على دين الدولة؛ بل نصت على تحديد دين رأس الدولة بمذهب دون غيره. إذ لا يوجد دستور غربي لم ينص صراحة على دين الدولة؛ بل ومذهبها أحياناً، بل وبتعصب شديد وصارخ للمذهب، ولا تجيز بعض دساتيرهم توريث العرش لشخص زوجته من مذهب آخر، مع أنهم من أتباع دين واحد، وأسوق في ذلك مثالين.
المملكة المتحدة (بريطانيـــا)
ينص القانون البريطاني على أن (الملك، أو الملكة) يجب أن يكون مسيحياً بروتستانتياً، وأن ولي العهد يحرم من تولي العرش إذا غير مذهبه، أو حتى إذا تزوج من امرأة غير بروتستانتية!! وأن الملك هو الحاكم الأعلى للكنيسة، وأن من صلاحياته تعيين القساوسة ورؤسائهم، بل إن المادة الثالثة من قانون التسوية الانجليزي تنص على أن ملك بريطانيا هو حامي الكنيسة البروتستانتية في العالم أجمع، أكرر في كل العااااااااااالم. نعم البروتستانت في العالم العربي حاميهم هو ملك بريطانيا، وليس حكامهم في دولهم العربية، أو غير العربية.
مملكة الســويد (إمبراطورية)
تنص المادة (4) من الدستور السويدي على أنه يجب أن يكون الملك، وأعضاء مجلس الشعب من أتباع الكنيسة الإنجيلية، تحديداً وليس من غيرها؛ إذ ليس من حق جميع السكان في السويد أن يرشحوا أنفسهم، ولا حتى أن يكونوا أعضاء في مجلس الشعب؛ أي أن الدستور لم يحدد فقط مذهب الملك، بل وحدد أيضاً دين ومذهب أعضاء مجلس الشعب (البرلمان).
هل تقبل كل الدول الغربية من أي دولة عربية، أو إسلامية، أن يكون رئيسها حامي للمسلمين في بلاد الغرب، أو أن ينص دستور بلد مسلم على هذا.
يعدُ هذا البلد حلماً لكل المواطنين العرب، والشرق عموماً؛ لو أراد أحد أبناء العرب المبهورين، بالغرب، وحضارته أن يحلم بالهجرة، فإن غاية المُنى عنده ستكون أن يرى نفسه مهاجراً إلى السويد، أو ساكناً فيها يتنعم بأجواء الحرية، وجمال الطبيعة، والديمقراطية.
حرية الوصول للمرأة وليس حرية المرأة
لا ينظرون إلى المرأة أنها حرة، إلا إذا خلعت حجابها، وتعرت من ملابسها، وخرجت كاسية عارية، أما أن تكون امرأة ترتدي حجاباً، ولباسا يسترها، فهم لا يتصورون أنها في مكانها طبيبة بارعة، ومدرسة مخلصة، ومهندسة مبدعة، وعالمة في أي مجال من المجالات، فهؤلاء الذين ينظرون إلى المرأة أنها حرة، يكرسون حياتهم لما ترسمه أجهزة الإعلام الغربية، وأحقاد الغرب على الشرقيين عموماً، وعلى العرب والمسلمين خصوصاً، لا ينظرون للرجل إلا أنه زير نساء، يجلس في خيمته ومن حوله أطنان اللحوم وعشرات النساء ليتلذذ بذلك.
يطالب سفهاء العرب بتطبيق سيداو، تطالب بعض الشهوانيات بأن يكون لها أربعة من الأزواج، لا يكفيها رجل واحد، وهذا منتهى الفحش والقباحة، وإذا رأى سفهاء العرب من المرأة أنها ملتزمة بما يأمر به دينها من الاحتشام في اللباس فهي رجعية متخلفة، وإذا اتبعت أهوائهم فهي ليبرالية ومتحررة، ومن سيدات المجتمع، تبا لهم ولما يفكرون، فمن الصعب على نفس الحر أن يرى صبية في عمر الورود، تعمل في محطة بترول في بلد عربي مسلم.
الطبل الأجوف أعظم الأشياء صوتاً
لعل أحدهم يفهم فهماً قاصراً من هذا الكلام؛ أنني أطلق هذه الصفات على كل من لا ترتدي حجابا، أو من تلبس لباساً فضفاضا لا يشف ولا يصف، لكنني في هذا المقام أتحدث عن كثير من نساء المجتمع اللاتي لا يقبلن بما جاءت به سيداو، ولا بنساء سيداو، وما يطالبن به، من تبذل وانحلال والخروج عن الطبيعة الإنسانية، لأن المرأة في نظرهم يجب أن تتمتع بحريتها المطلقة دون شرط أو قيد، وإذا رأوها تلبس اللباس المحتشم؛ فيقولون هذا تخلف ورجعية، ولا تكون المرأة حرة إلا إذا كان دستورها أفكار سيداو، وأفكار من يعتقدون بها، فما نرى إلا أن سوس الخشب، جاء من نفوس أبناء جلدتنا أكثر من الغرب.
فهؤلاء لا يقبلون أن يكون للدولة أية صبغة دينية، حتى ولو كانت على الورق، ودون أي ممارسة فعلية؛ بل يجب عليك كعربي، ومسلم أن تثبت حسن نواياك بابتعادك عن الدين، فهذا من معالم الديمقراطية والتحرر. وينفخون الرؤوس الجوفاء من أبناء جلدتنا وديننا بكلام فارغ، ويشجعونهم على ونشر وترويج مبادئهم التي يريدون، ويجعلون الدين في حجم مساحة المسجد فقط، والمعابد، ويمنعونك أن تتحدث بما بُني المسجد له، أو حتى أن تجاهر به خارج هذه الحدود، ويطلق البلهاء تعابير جوفاء (الدين السياسي)، وكأن الدين جاء فقط لبيان أحكام الوضوء، والطهارة، والحيض والنفاس، فالدين كامل متكامل متين الأركان، لذا نرى أن أفشل الأشياء في الحياة هي أجهرها صوتاً، وأعظمها جثة، هو الطبل الأجوف.
لا نريد دولة دينية بل دولة عادلة
الدين ليس أفيون الشعوب؛ ولا تريد شعوبنا العربية، ولا الإسلامية؛ دولة دينية، أو جمهورية إسلامية كما تسمي إيران نفسها؛ وهي أخطر وأكبر عدو على الإسلام والمسلمين، لا تريد الشعوب دولة رئيسها خطيب الجمعة والعيدين؛ ولا دولة رئيس وزرائها هو إمام التراويح في رمضان، ولا حتى أن يكون ممن يحملون العلم الشرعي، بل تريد الشعوب حاكماً يقدم لهم العدالة، ويترك لهم الحرية الكاملة بما يعتقدون ويريدون، فلا إكراه في الدين، وليس من حق الرجل إجبار زوجته على تغيير دينها الذي ذكر في القرآن الكريم. تريد الشعوب حاكماً يحقق العدل فيها، ويحارب الفساد والمفسدين، ويجمع الزكاة من أغنيائها ويوزعها على فقرائها، حتى لا يسير في الشارع ذو حاجة، حتى لو لم ينص الدستور على دين الدولة، فالدين ليس أفيون الشعوب.
الدكتور: علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني