الواقع العربي وآفاق المستقبل
بقلم: شاكر فريد حسن
الواقع العربي الراهن هو واقع بائس ومأزوم على المستوى السياسي والاجتماعي والشعبي والإرادة الجماهيرية والقرار السياسي، وعلى مستوى القوى والحركات السياسية والوطنية والمجتمعية والمؤسسات المدنية والنخب الفكرية والثقافية.
ويشهد هذا الواقع فوضى سياسية عارمة بعيدة عن الأهداف الوطنية والمدنية، وتقف القوى السياسية والنخب المثقفة عاجزة في مواجهة المذهبيات والعصبيات القبلية والعشائرية والنزعات الإقليمية وعلل الطائفية، وفي تغيير هذا الواقع المتردي وإخراجه من حالته الراهنة.
وعلى صعيد النظام السياسي العربي، فمنذ رحيل القائد القومي والعروبي الخالد جمال عبد الناصر، غابت عنه القيادة السياسية التاريخية والوطنية والسياسية المخلصة، والإرادة الشعبية محاصرة بثقافة استهلاكية رجعية متخلفة، ومعادية لكل ما هو تقدمي وحضاري وحداثي. وأصبحت هذه الإرادة رهينة لهذا الواقع المأزوم والبائس، وعلى استعداد للتعاطي مع مشاريع عربية مهادنة، وتخلت عن شعارات التحرير والمقاومة والتغيير التي كانت يومًا تثير الحماسة في الوجدان العربي وتدغدغ المشاعر العربية وتلامسها في العمق.
الأمة العربية كانت ولا تزال تعاني الأمرين من الدكتاتوريات والتدخلات الأجنبية والغربية المعادية والطامعة بالثروات الطبيعية. والواقع العربي يعيش وضعًا صعبًا من انقسامات وشرذمة وحروب أهلية وطائفية دمرت العديد من الدول ومقدراتها وشعوبها، وغياب الديمقراطية قولًا وفعلًا، وانعدام الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وغياب العدالة الاجتماعية، علاوة على العديد من القضايا الاقتصادية، من بطالة وفقر وأزمات مالية وصراعات داخلية وغير ذلك من السمات والقضايا العامة، ما يتطلب طرح ومناقشة هذه القضايا التي تشكل اسهامًا للخروج من هذا الحال الحالك والمعتم، ولإحياء المشروع النهضوي التنويري العربي.
نحتاج إلى وعي سياسي وفكري وعقلاني، ونضج شعبي في المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وضرورة الدفع بمجتمعاتنا العربية نحو آفاق إنسانية جديدة وتفكير عقلاني فكري وسياسي، ونحو التخلص من فكر الانطواء والانعزال القومي والطائفي والثقافي، وترسيخ المفاهيم والمنهجيات الديمقراطية في الحياة السياسية والثقافية، وخلق شخصيات كريزماتية منحازة للوطن والإنسان العربي، وبناء النظام الديمقراطي الذي يمثل رغبات وآمال وتطلعات الشعوب العربية، وتحرير الإرادة العربية من كل أشكال التبعية والإلحاق، وإطلاق العنان للعقول العربية للتفكر الحر والعمل بما يخدم مصالح الجماهير والأمة العربية، فضلًا عن تعزيز التعاون وكل أشكال العمل المشتركة والصيغ الوحدوية بين الأقطار العربية، وتطوير دور مؤسسات المجتمع المدني لخدمة إنشاء المجتمعات المدنية، وتفعيل دور القوى الاهلية والأحزاب السياسية ودمقرطتها لتكون قادرة على محاكاة الواقع وإحداث التغيير المطلوب والمرتجى لصالح الشعوب وقضاياها الاقتصادية والسياسية. وهناك حاجة وضرورة ماسة لبعث المشروع الفكري النهضوي العربي الذي يضع المصالح العربية في سلم أولوياته، ويسهم في بناء المجتمع الحضاري التعددي المتماسك ليكون قادرًا على النهضة العلمية والفكرية والصمود ومواجهة تحديات العصر والمرحلة الراهنة. وهذا ليس بالسهل بل يحتاج لنضال طويل، وربما لأجيال وأجيال، حتى تحقيق المبتغى والوصول للهدف المنشود.