ما سر الجثث الطافية في السودان ؟
يبدو أن فصلاً جديداً من الصراع في إقليم تيغراي الإثيوبي بدأ مؤخراً مع اكتشاف مجموعة من الجثث لنساء ورجال وحتى أطفال وعليها آثار التعذيب في نهر سيتيت شرق السودان، ما قد يعني أن مرحلة جديدة من التطهير العرقي دخلت في حرب الإقليم.
فقد أكد شهود والسلطات المحلية في السودان، وجود عشرات الجثث التي وصلت إلى مصب النهر، وفق شبكة “سي إن إن”.
وأشارت الأدلة إلى أن القتلى من إقليم تيغراي، وقال شهود إن الجثث تحكي قصة مظلمة عن الاعتقالات والإعدامات الجماعية والإعدامات عبر الحدود في بلدة حميرة في الإقليم.
استمرار القتال
ورغم إعلان رئيس الوزراء أبي أحمد الانتصار الأولي في أواخر نوفمبر الماضي، لا تزال المنطقة ممزقة بالقتال، وقد سجلت العديد من الفظائع بما في ذلك التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء واستخدام الاغتصاب كسلاح حرب.
واستعادت قوات تيغراي العاصمة الإقليمية ميكيلي في نهاية يونيو من هذا العام، فيما بدأت الحكومة الإثيوبية في سحب قواتها من المنطقة.
لكن القتال استمر، ففي منتصف يوليو، أعلنت قوات تيغراي عن هجوم جديد لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها أديس أبابا.
في السياق، قال شهود إن الهجوم هو ما دفع القوات الحكومية وجماعات الميليشيات التي تسيطر على بلدة حميرة الشمالية، بالقرب من الحدود مع إريتريا والسودان، إلى إطلاق مرحلة جديدة من الاعتقالات الجماعية لأبناء تيغراي.
وكشفت التحقيقات أن عمليات الاحتجاز وقتل سكان تيغراي على أساس عرقي، تحمل سمات الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي، بحسب شبكة “سي إن إن”.
وظهرت الجثث لأول مرة في السودان في يوليو الماضي، عندما كان النهر في أعلى مستوى له بسبب موسم الأمطار.
وقال مهندس مياه سوداني لشبكة “سي إن إن”، إن سرعة تدفق النهر جرفت الجثث من حميرة إلى وادي الحلو في السودان خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات تقريباً.
من جانبها، قدمت السلطات السودانية في وادي الحلو تقارير للشرطة والطبيب الشرعي عن كل جثة تم العثور عليها في أراضيها، موثقة أدلة على التعذيب الواسع النطاق وجروح الرصاص التي تم العثور عليها في العديد من الجثث.
وأوضحت كل من السلطات السودانية المحلية وخبراء الطب الشرعي أن جميع الجثث التي انتشلت حتى الآن ربما ماتت قبل أن تغرق في المياه.
في موازاة ذلك، لم تجد التحقيقات المستقلة الجارية من قبل خبراء الطب الشرعي الدوليين والمحليين، أي دليل على غرق الضحايا.
وقال الخبراء الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب مخاوف أمنية، إن الجثث تعرضت جميعاً لشكل من أشكال العوامل الكيميائية بعد الوفاة، ما أدى إلى عملية حفظها بشكل فعال قبل دخول المياه.
كذلك، أوضحوا أن جميع الجثث كانت في حالة مماثلة، حيث كانت مخزنة في نفس البيئة، وربما في منشأة تخزين أو مقبرة جماعية، قبل أن تُلقى في النهر.
وأضافوا أن حالة الحفظ هذه تجعل من السهل التعرف على العلامات الموجودة على الجثث وما الذي يمكن أن يكون سبباً لها.
في حين وجدت بعض الجثث التي انتشلت مقيدة الأذرع بإحكام خلف ظهورها، تماشياً مع أسلوب التعذيب المسمى “تاباي”.
وتم ربط أيدي العديد منهم بسلك كهربائي أصفر صغير الحجم، وأشارت كسور العظام والخلع إلى مزيد من الضغط على أجسادهم قبل الموت.
كذلك، قال الخبراء إنهم في سباق مع الزمن للحفاظ على الأدلة، في حالة الحاجة إليها لمحاكمة مرتكبي جرائم حرب محتملة في المستقبل.
معسكرات اعتقال جماعي
إلى ذلك، أوضح تيميسجين (24 عاماً)، ويوناس (25 عاماً)، أنهما هربا معاً من مستودع في هوميرا، يُدعى Enda Yitbarek، والذي وصفاه بأنه يستخدم كمعسكر اعتقال جماعي مؤقت للآلاف في تيغراي.
وأوضح تيميسجين أنه كان يلعب حول منزله عند اعتقاله، مشيراً إلى أنه تم اعتقاله لأنه من تيغراي فقط حيث لم يرتكب أي فعل مخالف للقانون، لافتاً إلى الأوضاع المأساوية داخل معسكر الاعتقال.
كذلك، كشف أن الرعب كان حقيقياً حيث لم يكن هناك أي رعاية أو مساعدة طبية. وقال “كان الجميع مريضاً بالأنفلونزا ولم يحصلوا على مساعدة طبية. لم يرسلونا إلى المستشفى”.
إلى ذلك، وصف محتجزون سابقون أنهم كانوا سجناء من جميع الأعمار مضغوطين بإحكام في مكان ضيق، حيث كان هناك أمهات مع أطفالهن الصغار بالإضافة إلى المراهقين والرجال في السبعينيات من العمر.
ووفق العشرات من الهاربين الآخرين من هذه المعسكرات، وبناءً على رواياتهم، تشير التقديرات إلى وجود ما يصل إلى تسعة مواقع تستخدم كمعسكرات اعتقال ويحتجز فيها الآلاف، بحسب “سي إن إن”.